فيه قول معلوم فقال اثن على ربك وصل على نبيك واستغفر لذنبك وليس المقصود بهذين الخبرين الجمع بين جميع المذكورات بل التنبيه على نوع ما يقال في القنوت كما لا يخفى ثم إن أغلب هذه الأخبار وان أمكن الخدشة في دلالتها على نفي التحديد من حيث الكمية حيث إنها بظاهرها مسوقة لبيان في لتوقيت من حيث الكيفية فلا ينافيها اعتبار مقدار معين من الدعاء أو الذكر ولكن لو كان له حد مضبوط لكان التنبيه عليه في مثل هذه الموارد لازما فعدم التعرض له في مثل هذه الموارد كاشف عن انه ليس له حد معين لا مر حيث الكم ولا من حيث الكيف بل يكتفي بمطلق ما قضى الله على لسانه وقدره مع أن الرواية الأولى في حد ذاتها ظاهره في ذلك وربما يؤيده أيضا كون طبيعة الذكر والدعاء الذي يتحقق به فعل القنوت من حيث هي حسنة بحيث لو كان القنوت واجبا وكان له حد معين لكنا نلتزم بمشروعيته ما دونه عند تعذر ذلك الحد بقاعة الميسور الكاشفة عن أن له بجمع مراتبه نحو من المطلوبية وقضية ذلك جواز اختبار سائر مراتبه اختيارا بعد فرض كونه من أصله مستحبا فان اي مرتبة من مراتبه تفرض له مصلحة مقتضية لطلبة والا لم يشرع مع الضرورة أيضا ففعله مطلقا أولى من تركه رأسا ولو نوقش في ذلك بأنه مجرد الاستحسان ولا يصح ان يكون منشأ لاثبات جواز الاكتفاء بمسمى الذكر والدعاء فلا أقل من كونه مؤيدا لاطلاق الأخبار المتقدمة ونظائرها من الروايات الواردة في القنوت من غير تحديده بحد وان لم يكن اطلاقها مسوقا لبيان الحكم من هذه الجهة كقول الصادق (ع) في صحيحة عبد الحر من القنوت في الوتر استغفار وفي الفريضة الدعاء إلى غير ذلك مما ورد في القنوت من غير تحديده بحد وكيف كان فلا شبهة في كفاية مطلق الدعاء بل وكذا مسمى الذكر من غير تقديره بقدر ولعله ممالا خلاف فيه أيضا ولكنه ينبغي ان لا يكون أقل من ثلاث تسبيحات لما رواه الشيخ باسناده عن أبي بكر بن أبي سماك عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث قال يجزى من القنوت ثلاث تسبيحات فإنه مشعر بان الأقل منه غير مجزي الأولى ان لا يكون أقل من خمس تسبيحات الرواية أبي بصير قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن أدنى القنوت فقال خمس تسبيحات ومرسلة حريز عن أبي جعفر عليه السلام قال يجزيك من القنوت خمس تسبيحات في ترسل وفي خبر محمد بن سليمان الامر بالتسمية ثلثا مع الضرورة المناسبة للتخفيف فمع عدمها أولى بان لا يقتصر على الأقل من ذلك قال كتبت إلى الفقيه أسئله عن القنوت فقال إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين وقل ثلاث مرات بسم الله الرحمن الرحيم ثم إن في هذا الخبر اشعار بل دلالة على أن رفع اليدين معتبر في القنوت ولكن يجوز تركه لدى الضرورة وأوضح من ذلك دلالة عليه خبر عمار الساباطي قال قلت لأبي عبد الله (ع) أخاف ان اقنت وخلفي مخالفون فقال رفعك يديك يجزى يعني رفعهما كأنك تركع هكذا رواه في الوسائل عن الشيخ فيحتمل ان يكون ما في ذيله من التفسير من كلام الراوي أو من الشيخ وكيف كان فالاجتزاء برفع اليدين في مقام التقية كاشف عن انه من مراتبه الميسورة التي لا تسقط بمعسوره فلو لم يكن له دخل في قوام مفهومه بل من جملة آدابه لكان أولى و انسب بالسقوط في مقام التقية من سقوط نفس الدعاء أو الذكر الذي قد لا ينافي مسما التقية أصلا لو لم يكن معه رفع اليدين خصوصا في الصلاة الاخفاتية ومن هنا ربما يستشهد أيضا لاعتبار رفع اليدين فيه بالاخبار الدالة على سقوطه في حال التقية خصوصا في الصلوات الاخفاتية التي لولا رفع اليدين حاله لا يعرف كونه اتيا بالقنوت بل وكذا في الجهرية لولا دعى بأدعية القران أو اتى ببسم الله الرحمن الرحيم كما ورد الامر به في الرواية المتقدمة لأنهم بحسب الظاهر يجوزون قراءة القرآن بما شاء الله ويجوزون التبعيض ولا يمنعون عن القران فلو قرء بعد فراغه من السورة عدة آيات من القران مما هي دعاء ما لم يكن بهيئة القنوت بحسب الظاهر لا يكون منافيا للتقية بل مناسبا لها والحاصل انه يستشعر من مثل هذه الأخبار انه لم يكن المقصود بالقنوت في عرف الأئمة عليهم السلام الا ما هو المتعارف عندنا الذي هو مناف للتقية وهو العمل الخاص المشتمل على الدعاء ورفع اليدين لا مطلق الدعاء أو الذكر ولذا لم يطلق اسمه في مورد على سائر الأذكار والأدعية التي ليس فيها رفع اليدين وقد أشرنا انفا إلى أن المتبادر من اطلاقه في عرف المتشرعة أيضا ليس الا ذلك بل يصح عندهم سلب اسمه عن الدعاء بلا رفع اليدين ولكن ظاهر الأصحاب حيث جعلوه من مستحبات القنوت بل صريح غير واحد منهم عدم اعتباره في مهية القنوت بل هو كرفع اليدين حال التكبير من إذا به ويشكل ذلك بأنهم لا يطلقون اسم القنوت الا على الدعاء بالكيفية المعهودة المشتملة على رفع اليدين ويقولون يستحب في صلاة الآيات خمس قنوات ولا يقولون بمثله في صلاة الأموات التي ليس فيها رفع اليدين ولا يطلقون هذا الاسم على سائر الأدعية المسنونة في الصلاة أو في غيرها بخلاف ما لو كان الدعاء بهذه الكيفية مشروعا في موضع منها اي موضع يكون كما لا يخفى ذلك على المتدبر في كلماتهم وكفاك شاهدا لذلك ان المحقق الأردبيلي نفي الاشكال عن استحباب الدعاء بعد الركوع في الوتر ومنع ثبوت القنوت وكذلك الشهيد بعد ان أفتى باستحباب هذا الدعاء قال وسماه (في المعتبر قنوتا وهذا بمنزلة التصريح بكونه اصطلاحا مخصوصا به مخالفا لما يطلق عليه اسم القنوت) في عرف الفقهاء فالذي غلب على الظن ان مفهوم القنوت في عرف الفقهاء أيضا ليس الا هذا العمل المركب من الدعاء والرفع ولكن الرفع عندهم ليس من مقومات مطلوبيته فهو وان كان فصلا للقنوت مميزا له عما عداه من الأدعية ولكنه جزء مستحبي له بلحاظ مطلوبيته بل ظاهر قولهم يستحب فيه كنظائره مما وقع فيه مثل هذا التعبير ليس الا إرادة كونه جزء مستحبا له لا مستحبا خارجيا حال وهذا وان كان موهما لكونه من الاجزاء التي لا ينتفي بانتفائه اسم القنوت كما في مستحبات الصلاة وغيرها ولكن الملحوظ لديهم في مثل هذه الاستعمالات ليس الا عدم انتفائه من حيث المطلوبية لا من حيث التسمية ويؤيد ما ذكرناه في توجيه كلماتهم ما حكى عن كنز العرفان من أنه قال والقنوت هو رفع اليدين بالدعاء في الصلاة في عرف الفقهاء وكيف كان فالظاهر كون رفع اليدين مأخوذا في مفهوم القنوت في عرف الشارع والمتشرعة ولكن الأشبه جواز الاخلال به عمدا لما أشرنا إليه من ظهور كلمات الأصحاب في مشروعيته بلا رفع اليدين وكفى به دليلا لمثله من باب المسامحة مع امكان استفادته من قوله عليه السلام في خبر محمد بن سليمان المتقدم إذا كانت ضرورة شديدة فلا ترفع اليدين بالتقرب الذي تقدمت الإشارة إليه عند التكلم في كفاية مطلق الدعاء والذكر والله العالم واما كيفية رفع اليدين ففي محكى المعتبر ويجعل كفيه حال قنوته تلقاء وجهه وهو قول الأصحاب وعن الذكرى يستحب رفع اليدين تلقاء وجهه مبسوطتين
(٣٩١)