عن الصلاة على من دفن بغير صلاة وهو لا يخلو عن نظر بل منع وفي الحدائق نفي البعد عن الجمع بين الأخبار بحمل الأخبار المجوزة على إرادة الدعاء من الصلاة بشهادة الصحيحة المتقدمة ورواية جعفر بن عيسى قال قدم أبو عبد الله عليه السلام مكة فسئلني عن عبد الله بن أعين فقلت مات فقال أتدري موضع قبره قلت نعم قال فانطلق بنا إلى قبره حتى نصلي عليه قلت نعم فقال لا ولكن نصلي عليه هيهنا فرفع يديه واجتهد في الدعاء وترحم عليه وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من أن هذا الحمل بالنسبة إلى الأخبار المجوزة ليس بأولى من حمل الأخبار الناهية على الكراهة وان كان هذا أيضا بالنسبة إلى بعضها كمرسلة محمد بن مسلم لا يخلو من بعد فالانصاف ان الأخبار وان أمكن الجمع بين بعض من الطرفين مع بعض اخر بالحمل على الكراهة كما أنه يمكن حمل بعض الأخبار الناهية على إرادة الحكم التكليفي وبيان عدم جواز تأخير الصلاة عن الدفن لا عدم مشروعية الصلاة عليها بعد الدفن مطلقا وان دفن لعذر أو عصيانا بلا صلاة ولكن قد يأبى بعضها عن مثل هذه التوجيهات فهي بظاهرها متعارضة والترجيح مع اخبار الجواز لشهرتها وشذوذ المخالف ومن هنا يظهر ان الأقوى عدم سقوط الصلاة عليه بالدفن لما أشرنا إليه من أن جوازها بعد الدفن في الجملة كما هو مفاد الروايات المزبورة مساوق للزومه لا لاطلاق الروايات الامرة بالصلاة على كل مسلم والنهي عن أن يترك أحد بلا صلاة لوجوب تقييد مثل هذه الاطلاقات لو سلم اطلاقها من هذه الجهة بالروايات الدالة على وجوب فعلها قبل الدفن بل لقاعدة الميسور كما تقدمت الإشارة إليه ولا ينافيه قوله عليه السلام في الموثقة الأولى فإن كان قد دفن فقد مضت الصلاة عليه لامكان ان يكون كون الميت مقلوبا كبعض شرائط الفريضة التي يوجب الاخلال به الإعادة في الوقت الا في خارجه فلا ينافي ذلك وجوب فعلها بعد الدفن على تقدير كونه مدفونا بغير صلاة كما لا يخفى وقد ظهر ان الأظهر بالنسبة إلى من صلى عليه أيضا مشروعية الصلاة عليه بعد دفنه لمن لم يدرك الصلاة عليه قبله كما هو المشهور مع أن المقام مقام المسامحة ولكن ما ذكروه من تحديد وقتها بيوم وليلة أو إلى ثلاثة أيام أو ما لم يتغير فلم نقف على ما يدل على شئ من ذلك نعم لا يبعد ان يدعى ان المنساق من الروايات الدالة على الجواز انما هو ارادتها عقيب دفن الميت بلا مضي مدة فغاية ما يمكن استفادته منها مشروعيتها في اليوم الذي دفن فيه وليله واما أزيد من ذلك فيشكل استفادته من تلك الأخبار فيرجع بالنسبة إلى الزائد إلى اصالة في لمشروعية فيتجه حينئذ ما نسب إلى المشهور من جوازها بعد الدفن يوما وليلة ثم لا يصلي بعد ذلك ولكن هذا بالنسبة إلى من صلى عليه كما هو مورد كلماتهم واما من لم يصل عليه أصلا فمقتضى الأصل عدم سقوط الصلاة عليها الواجبة كفاية ما دام الموضوع باقيا اي ما لم يندرس الميت والله العالم * (المسألة الرابعة) * الأوقات كلها صالحة لصلاة الجنازة يعني من غير كراهة على ما فسره في المدارك وغيره بل في المدارك بعد ان فسره بذلك قال وهذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب ويدل عليه مضافا إلى نقل الاجماع جملة من الأخبار منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تغيب الشمس وحين تطلع انما هو استغفار وصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام قال يصلي على الجنازة كل ساعة انها ليست بصلاة ركوع ولا سجود قال وانما تكره الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها التي فيها الخشوع والركوع والسجود لأنها تغرب بين قرني شيطان وتطلع بين قرني شيطان وخبره الآخر قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام هل يمنعك شئ من هذه الساعات من الصلاة على الجنازة قال لا وعن دعائم الاسلام عن أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام أنه قال لا بأس بالصلاة على الجنازة حين تطلع الشمس وحين تغرب وفي كل حين انما هو استغفار ودعاء وخبر الفضل بن شاذان المروي عن العلل والعيون عن الرضا عليه السلام قال فان قال فلم جوزتم الصلاة عليه قبل المغرب وبعد الفجر قيل إن هذه الصلاة انما تجب في وقت الحضور والعلة وليست هي موقتة كسائر الصلوات وانما هي صلاة تجب في وقت حدوث الحدث وليس للانسان فيه اختيار وانما هو حق يؤدي وجائز ان تؤدي الحقوق في اي وقت كان إذا لم يكن الحق موقتا واما ما عن الشيخ في التهذيب عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله عن أبي عبد الله عليه السلام قال تكره الصلاة على الجنازة حين تصفر الشمس وحين تطلع فلا يصلح لمعارضة ما عرفت وقد حكى عن الشيخ انه حمله على التقية لموافقته لمذهب العامة وهو جيد كما ربما يؤيده أيضا ما رواه الشيخ في الصحيح عن علي بن جعفر عن أخيه موسى عليهما السلام انه سئله عن الصلاة على الجنائز إذا احمرت الشمس اتصلح أولا قال لا صلاة في وقت صلاة وقال إذا وجبت الشمس فصل المغرب ثم صل على الجنائز فان اجمال الجواب والاقتصار فيه بايراد قاعدة كلية غير منطبقة على ما وقع عنه السؤال من امارات التقية فكأنه عليه السلام أراد بهذا الكلام التورية بذكر ما يوهم إرادة الامر بالتأخير إلى ما بعد صلاة المغرب وكيف كان فهذه الصحيحة بظاهرها تدل على أنه إذا حضر وقت فريضة لا يزاحمها صلاة الجنازة في وقتها بل تقدم الفريضة ويدل على ذلك أيضا مضافا إلى ذلك خبر هارون بن حمزة الغنوي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إذا دخل وقت صلاة مكتوبة فابدأ بها قبل الصلاة على الميت الا ان يكون الميت مبطونا أو نفسا أو نحو ذلك ويظهر من بعض الأخبار خلاف ذلك اي أفضلية تقديم الصلاة على الميت كخبر جابر قال قلت لأبي جعفر عليه السلام إذا حضرت الصلاة على الجنازة في وقت مكتوبة فبأيهما ابدء فقال عجل الميت إلى قبره الا ان تخاف ان تفوت وقت الفريضة ولا تنتظر بالصلاة على الجنازة طلوع الشمس ولا غروبها وقد نسب إلى المشهور الجمع بين الأخبار بالحمل على التخيير وهو لا يخلو من وجه فان لكل من الصلاتين جهة مقتضية لرجحان المسارعة إلى فعلها ما لم يتضيق وقت الأخرى فهما من قبيل المستحبات المتزاحمة التي يكون الامر فيها موسعا بأيها اخذت بقصد ادراك ما فيه من المصلحة المقتضية لطلبه فقد أصبت الا عند تضيق وقت فريضة حاضرة مع سعة وقت الجنازة فيجب حينئذ تقديم الحاضرة كما هو واضح ولو خيف على الميت مع سعة الوقت قدمت الصلاة عليه بلا شبهة فيه أيضا كسابقه ضرورة ان ما فيه التوسعة لا يصلح ان يزاحم واجبا ضاق وقته ولو تزاحما في ضيق الوقت بحيث لم يمكن الجمع بين الصلاة على الميت
(٥١٣)