أقول مقابلته بالمؤمن من يقتضي حمله على إرادة الأعم لا خصوص المخالف اللهم الا ان يجعل تصريحهم بعدم وجوب الصلاة على من عداهم من الفرق المخالفة للحق المحكوم بكفرهم قرينة على التخصيص وكيف كان فيدل على اختصاص خمس تكبيرات بالمؤمن صحيحة إسماعيل بن سعد الأشعري عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال سئلته عن الصلاة على الميت فقال اما المؤمن فخمس تكبيرات واما المنافق فأربع ولا سلام فيها والروايات المستفيضة التي أشار إليها المفيد في مقنعته بقوله روى عن الصادقين انهم قالوا كان رسول الله صلى الله عليه وآله يصلي على المؤمنين ويكبر عليهم خمسا ويصلي على أهل النفاق سوى من ورد النهي عن الصلاة عليهم فيكبر أربعا فرقا بينهم وبين أهل الايمان وكانت الصحابة إذا رأته قد صلى على ميت وكبر عليه أربعا قطعوا عليه بالنفاق منها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله عليه السلام قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله يكبر على قوم خمسا وعلى قوم آخرين أربعا فإذا كبر على رجل أربعا اتهم يعني بالنفاق وخبر أم سلمة وخبر إسماعيل بن همام المتقدمان وما ورد في غير واحد من الأخبار التي سيأتي نقلها عند تعرض المصنف لبيان ما ينبغي ان يقال في الصلاة على المنافق من الدعاء عليه باللعن والخزي ليس منافيا للاقتصار على أربع تكبيرات والانصراف بالرابعة إذ لا ينحصر موضع الدعاء للميت أو عليه في كونه عقيب الرابعة بل قد عرفت ان الأفضل بل الأحوط الاتيان به بين كل تكبيرتين وما نسب إلى المشهور من وجوب توزيع الأدعية على التكبيرات وان موضع الدعاء للميت بعد الرابعة فمرادهم تعين الدعاء للميت عقيب الرابعة لا انحصار موضع الدعاء فيه كيف وقد ورد في جملة من الأخبار الامر بالدعاء له بين كل تكبيرتين بل قد يلوح من بعض الروايات الواردة في الصلاة على المنافق وقوع الدعاء عليه بعد الأولى مثل خبر عامر بن السمط عن أبي عبد الله عليه السلام ان رجلا من المنافقين مات فخرج الحسين بن علي عليه السلام يمشي معه فلقيه مولى له فقال له الحسين عليه السلام أين تذهب يا فلان فقال له موليه افر من جنازة هذا المنافق ان أصلي عليه فقال له الحسين عليه السلام انظر ان تقوم على يميني فما تسمعني أقول فقل مثله فلما ان كبر وليه قال الحسين عليه السلام الله أكبر اللهم العن فلانا عبدك الف لعنة مؤتلفة غير مختلفة اللهم اخز عبدك في عبادتك واصله حر نارك اللهم أذقه أشد عذابك فإنه كان يوالي أعدائك ويعادي أوليائك ويبغض أهل بيت نبيك فما عن بعض من الاستشكال فيه أو الالتزام بالتخيير بين الانصراف بالرابعة وبين الدعاء عليه بعدها ثم يكبر الخامسة في غير محله وتجب فيها النية ضرورة كونها من العبادات المتوقف صحتها على حصولها بقصد الإطاعة والتقرب وقد تقدم في نية الوضوء وكذا في نية الصلاة شرح حال النية المعتبرة في صحة العبادات وعرفت فيما تقدم انه يكفي في تحققها حصول الفعل المأمور به بداعي امتثال امره من غير حاجة إلى استحضار صورة الفعل تفصيلا والقصد إلى ايجاده مقارنا لأول العمل ولا إلى معرفة وجهه من الوجوب والندب أو غير ذلك من التفاصيل التي التزم بها المشهور فراجع واستقبال القبلة بلا خلاف فيه على الظاهر كما اعترف به في المدارك وعلله بان العبادة كيفية متلقاة من الشارع والمنقول من النبي والأئمة عليهم (السلام فعل) الصلاة كذلك فيكون خلافه تشريعا محرما وقد تقرر في الأصول ضعف هذا الدليل وان المرجع لدى الشك في شرطية شئ للعبادة البراءة وفي كشف اللثام عليه الاجماع ظاهرا ويشمله العمومات أقول قد عرفت عند البحث عن شرطية الاستقبال في النوافل منع وجود عموم صالح للاستدلال به لوجوب الاستقبال في كل صلاة عدى ما في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام لا صلاة الا إلى القبلة وهذا أيضا غير سليم عن المناقشة خصوصا بالنسبة إلى صلاة الميت التي قد يقال بان اطلاق اسم الصلاة عليها اما من باب المجاز أو الاشتراك والا فهي ليست موضوعة شرعا ولا عرفا للقدر المشترك بينها وبين سائر الصلوات كما يفصح عن ذلك عدم انسباقه إلى الذهن من اطلاقه وربما يؤيده أيضا موثقة يونس بن يعقوب الآتية النافية لاشتراط الطهارة فيها معللا بأنه انما هو تكبير وتسبيح وتحميد وتهليل كما تكبر وتسبح في بيتك على غير وضوء وكيف كان فالأولى الاستدلال له بعد الاجماع المنقول المعتضد بالشهرة وعدم نقل الخلاف فيه عن أحد بما يستشعر من جملة من الأخبار من كون اعتبار الاستقبال فيها كما في الفرائض اليومية من الأمور المسلمة عندهم كالنصوص الواردة في كيفية الصلاة على الجنائز المتعددة بل بعضها كمرسلة ابن بكير عن أبي عبد الله عليه السلام في جنائز الرجال والنساء والصبيان قال قال توضع النساء مما يلي القبلة والصبيان دونهم والرجال دون ذلك ويقوم الامام مما يلي الرجال ظاهرة في ذلك وثبوت الندب بالنسبة إلى كيفية وضع الجنائز كما ستعرفه لا يقضي به بالنسبة إلى موقفه كما نبه عليه في الجواهر وخبر جابر قال قلت لأبي جعفر عليه السلام أرأيت ان فاتتني تكبيرة أو أكثر قال تقضي ما فاتك قلت استقبل القبلة قال بلى وأنت تتبع الجنازة وأوضح من ذلك كله خبر أبي هاشم الجعفري المروي عن الكافي والتهذيب والعيون قال سئلت الرضا عليه السلام عن المصلوب قال اما علمت أن جدي عليه السلام صلى على عمه قلت اعلم ذلك ولكني لا افهمه مبينا فقال أبينه لك ان كان وجه المصلوب إلى القبلة فقم على منكبه الأيمن وان كان قفاه إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر فان ما بين المشرق والمغرب قبلة وان كان منكبه الأيمن إلى القبلة فقم على منكبه الأيسر وكيف كان منحرفا فلا يزايلن مناكبه وليكن وجهك إلى ما بين المشرق والمغرب ولا تستقبله ولا تستدبره البتة قال أبو هاشم وقد فهمت إن شاء الله فهمته والله وما فيها من تجويز الانحراف اليسير بعد وقوع التعليل له بان ما بين المشرق والمغرب قبلة غير مناف للمطلوب بل مؤكد له بل قد عرفت في مبحث القبلة اتساع جهتها (إلى هذا الحد لدى الضرورة وحيث دلت الرواية على وجوب استقبال أحد منكبيه أيضا كالقبلة صار ذلك سببا لتحقيق الضرورة التوجه لاتساع جهتها) بالنسبة إلى الصلاة على المصلوب كما نبه عليه في الجواهر ونقل عن المحدث الكاشاني في جامعه أيضا التصريح به ولكن قد يستشكل في الاعتماد على الخبر المزبور في تجويز هذا المقدار من الانحراف نظرا إلى عدم التزام الأصحاب بمضمونه حيث لم يذكروه في مصنفاتهم في كيفية الصلاة على المصلوب بل عن الصدوق في العيون ان هذا حديث غريب لم أجده في شئ من الأصول والمصنفات لكن عن الذكرى أنه قال إنه وان كان غريبا ولم يذكر الأصحاب مضمونه في كتبهم الا انه ليس له معارض ولا راد وقد قال أبو الصلاح وابن زهرة يصلي على المصلوب ولا يستقبل وجه الامام في التوجه فكلهما عاملان به (وكذا صاحب الجامع الشيخ نجيب الدين بن سعيد والفاضل في المسالك قال إن عمل به فلا باس به)
(٥٠٢)