تبارك وتعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع مع أن المقصود بالسعي ليس خصوصه بل أعم منه ومن الطهارة ونحوها من المقدمات التي يتوقف عليها فعل الصلاة وهذا مما لا يجتمع مع الضيق إذ لو شرع الامام فيها أول الزوال لا يكاد يدركها أغلب الاشخاص الذين يسعون إليها بعد تنجز التكليف في حقهم فهذا يكشف عن أن المقصود بقوله (ع) حين تزول الشمس بيان أول الوقت لا حصره به فلا تعرض في هذه الأخبار (ح) لبيان اخره فهو اما موكول إلى ما هو المعهود في الشريعة من امتداد الوقت الأول إلى أن يصير ظل كل شئ مثله أو انها مجملة من هذه الجهة فيستصحب بقائه إلى هذا الوقت هذا غاية ما أمكننا في توجيه هذا القول وهو لا يخلو من تأمل مع امكان ان يكون المراد بقوله (ع) ليس لها الا وقت واحد في مقابل الوقت العارضي الذي سنه رسول الله صلى الله عليه وآله لسائر الصلوات بلحاظ مطلوبية النافلة قبلها فلكل صلاة وقت ثانوي متأخر عن أول وقتها شرع تأخيرها إليه الا صلاة يوم الجمعة والمغرب التي لا نافلة قبلها ويمكن ان يكون اطلاق اسم المضيق عليها بهذه الملاحظة والله العالم ولو خرج الوقت وهو فيها أتمها جمعة كما صرح به جماعة بل عن ظاهر بعض دعوى الاجماع عليه وظاهرهم كصريح بعضهم في لفرق بين ادراك ركعة فما دون فيكفي (ح) في اتمامها جمعة التلبس بها في الوقت ولو بتكبيرة الاحرام وربما علل ذلك بأنها استجمعت الشرائط وانعقدت جمعة فيجب اتمامها للنهي عن ابطال العمل كما إذا انفضت الجماعة في الأثناء وفيه نظر لأن قصور الوقت عن أدائها كاشف عن عدم كونه مكلفا بها في الواقع كي يحرم عليه قطعها وجواز فعلها في خارج الوقت يحتاج إلى دليل وهو مفقود ومن ثم ذهب جماعة على ما حكى عنهم إلى اشتراط ذلك بادراك الركعة بل عن جامع المقاصد نسبته إلى المعظم وعن الجعفرية وارشادها إلى المشهور لعموم من أدرك ركعة من الوقت فقد أدرك الوقت كله وحكى عن بعض القول ببطلانها مطلقا ما لم يقع جميعها في الوقت وعموم النص حجة عليه اماما كان أو مأموما انفرد عن الامام بسبقه أو غير ذلك من أسباب الانفراد مما سيأتي التعرض له (انشه) وتفوت الجمعة بفوات الوقت ثم لا تقضى جمعة وانما تقضى أي تؤدى ظهرا أداء مع بقاء وقتها بناء على أن وقتها أوسع كما هو المشهور وقضاء بعد خروج وقتها بلا خلاف فيه بل اجماعا كما صرح به غير واحد وفى المدارك له اجماع أهل العلم ثم قال ويدل عليه قوله عليه السلام في حسنة الحلبي فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا وفي صحيحة عبد الرحمن العزرمي إذا أدركت الامام يوم الجمعة وقد سبقت بركعة فأضف إليها ركعة أخرى واجهر بها وان أدركته وهو يتشهد فصل أربعا وفيه ان مورد الخبرين من لم يدرك الصلاة مع الامام اما الصحيحة فواضح واما الحسنة فهي أيضا كذلك فان صدرها قال سألت أبا عبد الله (ع) عمن لم يدرك الخطبة يوم الجمعة قال يصلى ركعتين فان فاتته الصلاة فلم يدركها فليصل أربعا وقال إذا أدركت قبل ان يركع الأخيرة فقد أدركت الصلاة وان أدركت بعد ما ركع فهي الظهر اربع فهذه مسألة أخرى وهى انها لا جمعة بعد الجمعة والكلام في المقام انما هو فيما لو فاتت الجمعة من أصلها بفوات وقتها ففي هذه المسألة أيضا لا تقضى جمعة بل ظهرا وعمدة مستنده الاجماع ويمكن الاستدلال له أيضا بان الفريضة الواجبة على كل مكلف بالنظر إلى تكليفه من حيث هو هي الأربع ركعات التي هي فريضة الظهر ولكن لدى اجتماع شرائط الجمعة يجب ان يؤديها جماعة فيسقط (ح) الأخيرتان لمكان الخطبتين كما يسقط عن المأمومين القراءة لتحمل الامام فيكفي (مع) في عدم جواز قضائها جمعة اصالة عدم شرعية أدائها بهذه الكيفية في خارج الوقت وعموم من فاتته فريضة لا يقضى بشريعة تدارك مثل هذه الخصوصات اللاحقة لها الناشئة من وجوب الاجتماع والجماعة مع الخطبة في اليوم الذي لخصوصه دخل في مطلوبيتها فليتأمل ولو وجبت الجمعة عليه عينا فصلى الظهر كانت صلاته باطلة لمخالفتها للمأمور به بلا خلاف فيه على الظاهر بيننا بل عن غير واحد دعوى الاجماع عليه وحكى عن أبي حنيفة وصاحبيه القول بالسقوط ليس بشئ بل وجب السعي عليه فان أدركها والا أعاد الظهر ولم يجتز بالأول لما عرفت من غير فرق بين العمد والنسيان ولا بين ان يظهر عدم كونه في ذلك الوقت في الواقع مكلفا بالظهر بل بالجمعة ولم يظهر ذلك بل بقي الحال مجملا بان لم يظهر كونه في الواقع متمكنا من ادارك الجمعة ولو بتقصيره في ترك السعي قبله فالأظهر صحة صلاته لو صدرت نسيانا أو جهلا ولو بالحكم بحيث تأتى منه قصد التقرب بفعله وكونه في مرحلة الظاهر مكلفا بالسعي إلى الجمعة بعد مخالفته للواقع وغفلته عنه غير قادح في صحة فعله الماتى به بداعي امتثال امره الواقعي المتوجه إليه ولو لم تكن شرائط الجمعة مجتمعة ولكن يرجو اجتماعها قبل خروج الوقت فهل يجوز له التعجيل أم يجب الصبر إلى أن يظهر الحال وجهان بل قولان من أن شرعيته مشروطة (بعدم التمكن من الجمعة في ذلك اليوم فما لم يحرز الشرط لا يتنجز التكليف بالمشروط حتى يشرع فعله ومن امكان منع اشتراط الظهر) بعدم التمكن من الجمعة في مجموع الوقت بل ربما يظهر من مثل قوله عليه السلام في صحيحة عبد الملك إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربعا فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا عدم اعتبار في لتمكن من الجمعة شرطا شرعيا التنجز التكليف الظهر بل اجتماع شرائط الجمعة شرطا شرعيا لتنجز التكليف بالجمعة فوجوب الجمعة عليه مشروط بحصول تلك الشرائط والظهر واجبة عليه عند عدم تحقق هذا التكليف فمتى شك في تحقق شرائط الجمعة ينفى وجوبها بالأصل فيحرز بذلك تكليفه بالظهر ولا يجب عليه الفحص أيضا وان احتمل وجودها في الحال فضلا عما لو علم بعدمها في الحال واحتمل تجددها في المستقبل كما في غيرها من الواجبات المشروطة نعم ظاهر بعض الأخبار كون في لتمكن من الجمعة شرطا في فعل الظهر ولكن حال التلبس بالفعل لا مطلقا كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة قال نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب فان ظاهرها إرادة عدمه حين تلبسهم بالصلاة لا مطلقا فعلى هذا لو حصلت الشرائط بعد الفراغ من الظهر لم يقدح بصحتها الا ان الاستظهار المزبور لا يخلو من تأمل فليتأمل ثم إن ما ذكرناه من عدم جواز المبادرة إلى فعل الظهر على الوجه الأول فهو مبنى على ما هو المشهور ان لم يكن مجمعا عليه
(٤٣٢)