وكيف كان فقد يتوجه الاشكال على ما نسب إلى ظاهر المشهور بين القدماء من الاكتفاء بحصول أحد الامرين مطلقا في الذهاب والاياب بأنه إذا كان أحدهما كافيا لوجوب القصر في الذهاب فلا بد من رفعهما معا في الاياب إذ القصر لا يرتفع الا يرفع موجبه ولا يرتفع موجبه الا برفعهما فمن هنا قد يغلب على الظن ان حكمهم بكفاية كل منهما لم يكن الا بلحاظ كون كل منهما لديهم طريقا شرعيا لاثبات بلوغه حد الترخص من غير التفات إلى صورة تحقق المعارضة بينهما على تقدير انفكاك أحدهما عن الاخر لندرة حصول العلم بذلك في مورد ابتلائه في العادة فليتأمل وذهب بعض متأخري المتأخرين كصاحب الحدائق وغيره إلى التفصيل في اعتبار حد الترخص بين الذهاب والاياب فاعتبره في الأول دون الثاني ففي الحدائق قال ما لفظه والأظهر عندي بالنسبة إلى الذهاب ما تقدم من التخيير عملا بالروايتين المتقدمتين ومعا بينهما بذلك واما في الاياب فهو ما ذهب إليه الشيخ علي بن بابويه ومن تبعه لنا على الأول وما عرفت على الثاني الاخبار المتكاثرة التي قدمناها في التنبيه الذي في اخر المقام الثاني من مقامات الشرط الرابع انتهى وأشار بالاخبار المتقدمة إلى موثقة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله ع قال سألت عن الرجل يكون مسافرا ثم يقدم فيدخل بيوت الكوفة أيتم الصلاة أم يكون مقصرا حتى يدخل أهله قال بل يكون مقصرا حتى يدخل أهله وصحيحة العيص بن القاسم عن أبي عبد الله ع قال لا يزال المسافر مقصرا حتى يدخل بيته وعن الصدوق في الفقيه مرسلا عن أبي عبد الله ع قال إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه وموثقة ابن بكير قال سألت أبا عبد الله ع عن الرجل يكون بالبصرة وهو من أهل الكوفة له فيها دار أو منزل وانما هو مجتاز لا يريد المقام الا بقدر ما يتجهز يوما أو يومين قال يقيم في جانب المصر ويقصر قلت فان دخل منزله قال عليه التمام وصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله ع قال إن أهل مكة إذا زاروا البيت ودخلوا منازلهم أتموا وإذا لم يدخلوا منازلهم قصروا وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع قال إن أهل مكة إذا خرجوا حجاجا قصروا وإذا زاروا البيت ورجعوا إلى منازلهم أتموا وربما مال أو قال غير واحد من المتأخرين بالتخيير منهم صاحبا المدارك والذخيرة وقد سبقهما إلى ذلك المحقق الأردبيلي فقال ما لفظه على ما نقل عنه لو وجد القائل بالجواز والاستحباب فهو حسن والا فمشكل فان القول بغير المشهور مع في لقائل وخلاف ظواهر بعض الأخبار الصحيحة يحتاج إلى جرأة والقول بما قاله السيد وابن الجنيد وابن بابويه لا يخلو عن اشكال ان كان مرادهم الوجوب يعنى وجوب القصر نعم لو كان مذهبهم غير الوجوب لكان القول به جيدا انتهى وعن الرياض لولا الشهرة العظيمة المرجحة لأدلة المشهور لكان المصير إلى هذا القول في غاية القوة لاستفاضة نصوصه وصحة أكثرها وظهور دلالة جملة منها بل صراحة كثير منها لبعد ما يقال في توجيهها جدا وهو ان المراد من البيت والمنزل ما يحكمهما وهو ما دون الترخص لان سباقها يأبى هذا ظاهرا وان أمكن بعيدا سيما في الموثق المتضمن لدخول البلد والحكم فيه مع ذلك بالقصر إلى دخول الأهل وحمله على أن ذلك انما هو لسعة الكوفة فلعل البيوت التي دخلها محل الترخص المعتمر في مثلها وهو اخر محلته يدفعه عموم الجواب الناشئ من ترك الاستفصال انتهى أقول ما ذكروه من بعد ارتكاب التأويل في بعض هذه النصوص بل أغلبها فهو حق بل كاد يكون متعذرا إذ لا يعد دعوى الجزم بعدم كون ما ذكروه في توجيهها مرادا من بعض تلك الأخبار كإرادة ما قبل حد الترخص من جانب المصر الذي يريد ان يتجهز فيها مع قضاء العادة بان حاجته لا تقضى الا بالدخول في أسواق البلد وشبهها فالانصاف ان هذه الأخبار كالنص في أن المسافر لا يزال مقصرا حتى يدخل بيته ولكن ليس في شئ منها اشعار بان لخصوصية العود الذي هو مورد هذه الأخبار مدخلية في ذلك بل لعدم خروجه عن حد المسافر الذي به ينقطع حكمه الا بذلك فالالتزام بوجوب التقصير في خصوص الاياب مع مخالفته للشهرة والاجماع ووضوح إناطة الحكم بالتقصير باندراجه في موضوع المسافر الذي لا يختلف فيه الحال بين الذهاب والاياب بشهادة العرف ودلالة جملة من النصوص عليه في غاية الاشكال ومما يدل عليه من النصوص قوله عليه السلام في المرسل المتقدم إذا خرجت من منزلك فقصر إلى أن تعود إليه فإنه يدل بالالتزام على اتحاد حد الترخص في الذهاب والعود وانه هو الخروج من منزله وقوله عليه السلام في صحيحة ابن سنان وإذا قدمت من سفرك فمثل ذلك فهذه الصحيحة أيضا كالنص في وحدة الحد وان كانت مخالفة للأولى بظاهرها في أصل التحديد فيستفاد من مثل هذين الخبرين المعتضدين بما عرفت انه لا مدخلية لخصوصية الذهاب والعود فيما هو مناط التقصير فالروايات الدالة على اعتبار حد الترخص في التقصير و ان وردت معظمها في خصوص الذهاب والروايات النافي اعتبار في خصوص الاياب ولكن اختلاف موردها غير مجد في رفع التنافي بعد ما عرفت من اتحاد المناط نصا وفتوى مضافا إلى معارضتها بخصوص صحيحة ابن سنان التي وقع فيها التصريح بحكم العود وقوله عليه السلام في خبر حماد إذا سمع الاذان أتم المسافر إذ لو لم نقل بان المنساق منه إرادة خصوص العود فلا أقل من اباء سياقه عن تخصيصه بخصوص الذهاب فارتكاب التأويل فيه بذلك كارتكاب التأويل في قوله في الصحيحة إذا قدمت من سفرك فمثل ذلك بالحمل على إرادة التشبيه في أصل التقصير لا التحديد بالسماع من التأويلات البعيدة التي قد يقطع بعدم ارادته من الرواية والحاصل ان الاخبار متعارضة والترجيح مع الروايات الدالة على اعتبار حد الترخص لاشتهار العمل بها بين الأصحاب و ندرة العامل بما يعارضها بل اعراض المشهور عنها وأوفقيتها بمذهب العامة مع أن عمدة ما في تلك الأخبار مما يأبى عن التأويل قد وردت فيمن يمر بوطنه في أثناء السفر الذي قصده لا في انتهائه فيمكن الالتزام بعدم قاطعية المرور بالوطن ما لم يدخل أهله ومنزله إذا وقع في أثناء طريقه كما قد لا يأبى عنه أهل العرف بخلاف ما لو رجع من سفره وبلغ إلى حد الترخص فإنه ينتهى ح سفره عرفا وشرعا ان لم ينعقد الاجماع على خلافه فليتأمل وقد ظهر مما ذكرناه ضعف ما قيل من أنه يقصر عند الخروج من منزله ولا يتم الا عند دخوله أو انه يقصر في ذهابه من محل الترخص ولا يتم في ايابه الا عند دخوله في منزله بل وكذا القول بالتخيير على تقدير تحققه لاستلزامه ارتكاب التأويل في مجموع الاخبار المتعارضة من غير شاهد وان القول الأول أظهر والله العالم وإذا نوى المسافر الإقامة في مكان من قرية أو بادية أو بلد غير بلده عشرة أيام كاملة أتم صلاته كما يدل عليه معتبرة مستفيضة ان لم تكن متواترة منها صحيحة زرارة المروية عن الكافي والتهذيب عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له أرأيت من قدم بلدة إلى متى ينبغي له ان يكون مقصرا ومتى ينبغي له ان يتم قال إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة وان لم تدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج فقصر ما بينك وبين ان يمضى شهر فإذا تم لك شهر فأتم الصلاة وان أردت ان تخرج من ساعتك وخبر أبي أيوب الخراز قال سئل محمد بن مسلم أبا عبد الله ع وانا اسمع عن المسافر ان حدث نفسه بإقامة عشرة أيام قال فليتم الصلاة وان لم يدر ما يقيم يوما أو أكثر فليعد ثلثين يوما ثم ليتم وان كان أقام يوما أو صلاة واحدة فقال له محمد بلغني عنك انك قلت خمسا قال قد قلت ذلك قال الخزاز فقلت انا جعلت فداك يكون أقل من خمس قال لا
(٧٥٢)