لدينه ساترا لعيوبه كما وقع التعبير بهذه العبائر في سائر الأخبار بل الظاهر أنه لم يقصد بالصحيحة الأولى أيضا الا ذلك إذا الظاهر أن المراد بعدم معروفيته بالفسق عدم معروفيته بذلك على الاطلاق ولو عند المخالطين له وهذا لا ينفك عن كونه من أهل الستر والعفاف اللهم الا ان يقال إن المتبادر من قوله الا ان يكونوا معروفين بالفسق اشتهارهم بهذا الوصف ولا يكونون كذلك الا ان يكون لهم ملكة ارتكاب المعاصي فلا يلزم من انتفائه عادة كونهم من أهل الستر والصلاح وكيف كان فعلى تقدير تسليم ظهور هذه الصحيحة بل وكذا غيرها من الاخبار المزبورة فيما يدعيه الخصم وجب صرفها عن هذا الظاهر بالحمل على مالا ينافي اعتبار كون الشاهد بظاهره صالحا عفيفا ساترا لعيوبه أي حسن الظاهر جمعا بينها وبين غيرها من الروايات المستفيضة الدالة عليه واستدل أيضا للقول بكفاية مجرد الاسلام عدم ظهور الفسق بأمور الأول الاجماع القولي والعملي كما ادعاهما الشيخ في محكى الخلاف حيث قال على ما نقل عنه ما لفظه إذا شهد عند الحاكم شاهدان يعرف اسلامهما ولا يعرف فيهما جرحا حكم بشهادتهما ولا يقف على البحث الان يجرح المحكوم عليه فيهما بان يقول هما فاسقان فحينئذ يجب عليه البحث إلى أن قال دليلنا اجماع الفرقة واخبارهم وأيضا الأصل في الاسلام العدالة والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل وأيضا نحن نعلم أنه ما كان البحث في أيام النبي صلى الله عليه وآله ولا في أيام الصحابة ولا أيام التابعين وانما هو شئ أحدثه شريك بن عبد الله القاضي ولو كان شرطا ما اجمع أهل الاعصار على تركه انتهى الثاني اصالة في لفسق كما أشار إليه الشيخ في عبارته المتقدمة الثالث اصالة الصحة في افعال المسلمين وأقوالهم وهي مستلزمة للحكم بأنه لم يقع منه ما يوجب الفسق فيكون عدلا لعدم الواسطة بينها وقد يفسر هذه الأصل بالظهور فيقال ان الظاهر من حال المسلم ان لا يترك الواجبات ولا يفعل المحرمات الرابع انه لو لم يقتصر على ظهور الاسلام وعدم ظهور الفسق لم ينتظم الاحكام للحكام خصوصا في المدن الكبيرة والقاضي القادم إليها من بعد مع عدم خلطته واختباره لهم ضرورة اقتضاء اعتبار غيره تعطيل كثير من الاحكام حتى يختبرهم أو يكون عنده من هو مختبرهم ومخالطهم ولا ريب في كونه حرجا وعسرا وتعطيلا كيف والناس في كثير من الأمكنة لا يتمكنون من ذلك في طلاقهم وديونهم وغير ذلك مما يحتاجون فيه إلى العدل الخامس اطلاق قوله تعالى واستشهدوا شهيدين من رجالكم حيث لم يقيده بشئ ولا ينافيه قوله تعالى في اية أخرى واشهدوا ذوى عدل منكم إذ لا كلام في لزوم كون الشاهد ذا عدل وانما الكلام في أنه هل يحكم بعدالة المسلم حتى يظهر خلافه أم لا ولا تعرض في الآية الثانية لذلك فيبقى اطلاق الأولى سليما عن المعارض أقول توضيح هذا الدليل انه إذا ورد عام أو مطلق وعلم من دليل خارجي عقلي أو نقلي منفصل ان موضوع القضية في الواقع مقيد بقيد مشكوك التحقق في بعض مصاديق العام وجب البناء على ثبوت الحكم حتى يثبت انتفاء القيد اخذا بأصالة العموم فلو ورد مثلا انه ان كان عندك مال اليتيم فلا تدفعه إلى أحد حتى يشهد عليه رجلان من أهل المدرسة وعلم بدليل منفصلا انه يعتبر في الشاهد العدالة وشك (في فسق) بعض أهل المدرسة لا يعتنى بهذا الشك بل يبنى على كون جميعهم واجدا للأوصاف المعتبرة في الشاهد حتى يثبت خلافه لأصالة عدم التخصيص فكذلك الكلام فيما نحن فيه فان ثبوت اعتبار العدالة في الشاهد بالآية الثانية أو غيرها من القرائن المنفصلة غير مقتض لرفع اليد عما يقتضيه اطلاق الآية الأولى في موارد الشك هذا ولكن يتوجه عليه أولا ان قوله تعالى في ذيل هذه الآية ممن توضون من الشهداء شاهد على في رادة الاطلاق من رجالكم فلا يبقى معه مجال للتوهم المزبور وثانيا ان القاعدة المزبورة انما تتمشى فيما إذا لم يكن اعتبار القيد في الواقع مانعا عن الاخذ بأصالة العموم بان احتمل جميع مصاديقه ولو مسامحة واجدا للشرط كي يجوز ابقاء اللفظ على ظاهره كما في المثال دون مثل المقام الذي علم بكون كثير من موارده أو أكثرها فاقد للشرط وثالثا ان الآيتين من قبيل المطلق والمقيد فمقتضى القاعدة الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد فلا يبقى معه موقع لأصالة الاطلاق كما لا يخفى ويتوجه على الاستدلال بالاجماع ان محصله غير حاصل بل خلافه مظنة الاجماع ومنقوله ليس بحجة خصوصا مع العلم بمخالفته للواقع واما السيرة العملية في عصر الصحابة والتابعين لو تحققت فهي غير ناهضة للحجية لعدم كون قضائهم في تلك الاعصار غالبا منوطا برضاء الحجة وامضائه بل بخلافه واما في عصر النبي صلى الله عليه وآله فلم تثبت بل المروى عن حال النبي صلى الله عليه وآله على ما عن هداية الشيخ حر العاملي مرسلا انه كان إذا اختصم إليه رجلان إلى أن قال وإذا جاؤوا بشهود لا يعرفهم بخير ولا شر بعث رجلين من خيار أصحابه يسئل كل منهما من حيث لا يشعر الاخر عن حال الشهود في قبائلهم ومحلاتهم فإذا أثنوا عليهم قضى حينئذ على المدعى عليه وان رجعا بخبر شين وثناء قبيح لم يفضحهم ولكن يدعو الخصمين إلى الصلح وان لم يعرف لهم قبيلة سئل عنهما الخصم فان قال ما علمت منهما الأخير انفذ شهادتهما واماما قيل من أن الأصل في الاسلام العدالة والفسق طار عليه يحتاج إلى دليل ففيه انه ان أريد بالأصل ظهور الحال فمرجعه إلى الدليل الثالث وستعرف ما فيه وان أريد به الاستصحاب ففيه ان العدالة وصف زائد على الاسلام يتوقف حصوله بعد الاسلام على أسباب وجودية مخالفة للأصل كالمواظبة على الطاعات وأداء الواجبات ولا يجدى في الحكم بتحققه اجراء اصالة عدم طرو الفسق إذ لا اعتداد بالأصول المثبتة مع أن هذا الأصل أيضا على اطلاقه مما لا أصل له إذا الفسق كما يحصل بارتكاب المعاصي كذلك يحصل بترك الواجبات وهذا موافق للأصل لا مخالف له فظهر بذلك ضعف الاستدلال للمدعى بأصالة عدم الفسق واما اصالة الصحة في افعال المسلمين وأقوالهم فليس معناها الحكم بأنه لم يقع منه ما يوجب الفسق بل في لحكم بكون ما وقع منه موجبا للفسق توضيحه ان لأصالة الصحة الجارية في فعل الغير معنيان أحدهما انه متى صدر منه فعل قابل للاتصاف بالصحيح والفاسدة من عبادة أو معاملة ان يحمل على الصحيح وهى بهذا المعنى مما لا دخل له بما نحن فيه ولا يختص مورده بالمسلم ولذا يقدم قول مدعى الصحة في مقام الخصومة مطلقا وان كان كافرا وثانيهما ان يحمل افعاله وأقواله على الوجه الحسن بمعنى انك لو رأيت منه فعلا أو سمعت قولا قابلا
(٦٧١)