ست وتسعون الف إصبع التي يطلق عليها اسم الميل عرفا بحسب الأذرع فكلامه مشعر بكون أصل الاستعمال معروفا حتى في القديم فهو أيضا مؤيد للمطلوب مع امكان ان يكون أهل الهيئة أصلا في هذا الاستعمال إذ الغالب في مثل هذه التحدث كون اشتهارها في العرف ناشيا عن مأخذ وكون أهل الهيئة الذين هم المرجع في تشخيص مقدار بعد المسافات أصلا في ذلك غير بعيد واما المعنى الاخر الذي أشار إليه المصنف ره بقوله أو مد البصر من الأرض فهو وان كان بالنظر إلى كلام اللغويين اشهر ولكنه امر مقول بالتشكيك فلا يناسب ارادته في مقام تحديد مقدار مسافة البريد ونحوه بل الغالب على الظن كون التحديد الأول تحقيقا للمقدار التقريبي الذي يراد من اللفظ عند استعماله في هذا المعنى على سبيل الابهام فكأن العرف لما جرت عادتهم على تحديد المسافات بقدر مد البصر التجأوا إلى تشخيص الوسط منه الذي هو منصرف اطلاقاته فضبطوه بأربعة آلاف ذراع حتى اشتهر ذلك فيما بينهم بشهادة العلماء واللغويين فلا ينبغي الاستشكال فيه الا انه قد يشكل ذلك بما عن الكليني بسنده عن محمد بن يحيى الحراز عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله عليه السلام قال بينا نحن جلوس وأبى عند وال لبني أمية على الحديثة إذ جاء أبى فجلس فقال كنت عند هذا قبيل فسألهم عن التقصير فقال قائل منهم في ثلث وقال قائل منهم يوم وليلة وقال قائل منهم روحة فسألني فقلت له ان رسول الله لما نزل عليه جبرئيل ع بالتقصير فقال له النبي ص في كم ذلك قال في بريد قال واي شئ البريد قال ما بين ظل عير إلى فيئ وعير ثم عبرنا زمانا ثم رأى بنو أمية يعملون اعلاما على الطريق وانهم ذكروا ما تكلم به أبو جعفر ع فذرعوا ما بين ظل عير إلى فيئ وعير ثم جزؤه على اثنى عشر ميلا فكانت ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع كل ميل فوضعوا الاعلام فلما ظهر امر بني هاشم غيروا امر بنى أمية غيرة لان الحديث هاشمي فوضعوا إلى جنب كل علم علما ويدفعه انه لم يعلم من هذه الرواية ارادته بذراع اليد بل الظاهر المتعارف في ذرع مثل هذه المسافة كونه بذراع الأسود التي يتعارف عند التجار في ذرع الأقمشة وهذا مما قد يختلف في البلدان وقد يتغير باختلاف الاعصار وقد حكى ان ذراع بعض الأكاسرة كان سبع قبضات ثمانية وعشرون ذراع وفي الدولة العباسية أو هي والأموية سبع وعشرون إصبعا ولعل المراد بالميل الهاشمي الذي ذكره في القاموس تحديد الفرسخ حيث قال وهو ثلاثة أميال هاشمية هو هذا الميل الذي دلت الرواية عليه وعلى وجه تسميته هاشميا وهذا أيضا يؤيد ما استظهرناه من عدم كون المراد بالذراع المذكور فيها ذراع اليد إذ الظاهر أن مراده بالميل الهاشمي هو الميل الذي شاع في النصوص والفتاوى ومحاورات أهل العرف تحديد الفرسخ به من أنه ثلاثة أميال فان هذا مما لا خلاف فيه نصا وفتوى عرفا ولغة فيكشف ذلك عن أن الميل الموصوف بهذا الوصف هو الميل الذي يراد من اطلاقاته في محاوراتهم عند تحديد الفرسخ به وانه هو الذي حدده في القاموس عند تفسيره للميل في عبارته المتقدمة انفا بمأة الف إصبع الا أربعة آلاف إصبع التي هي أربعة آلاف ذراع بذراع اليد وربما يؤيد كون الميل الهاشمي هو هذا الميل الذي قدروه بأربعة آلاف ذراع ما حكاه في الجواهر عن المهذب من أنه قال الميل الهاشمي أربعة آلاف خطوة واثنى عشر الف قدم لان كل خطوة ثلاثة اقدام منسوب إلى هاشم جد النبي إذ المتعارف تقدير الخطوة المتعارفة بالذراع فما ذكره من أنه اثنى عشر الف قدم معللا بان كل خطوة ثلاثة اقدام على الظاهر اشتباه منه أو من النساخ إذ الخطوة المتعارفة تقدر بقدمين لا بالثلاثة وكيف كان فمن نلاحظ العرف واللغة وامعن النظر في الشواهد الداخلية والخارجية لا يكاد يرتاب في أن الميل الذي يراد منه مقدار معين من المسافة منحصر فيما قدروه بأربعة آلاف ذراع نعم لو ثبت ان البعد ما بين الاعلام الذي وضعها بنو أمية أو بنو هاشم ما بين ظل عير وفيئ وعير أقل من هذا المقدار لكان المتعين الرجوع إليه في تحديد الفرسخ وان كان مخالفا للعرف واللغة لاستفاضة النقل بان ما بين ظل عير وفيئ وعير بريد وهو حد التقصير وهو اربع فراسخ فإنه يدل عليه مضافا إلى الرواية المزبورة ما عن الكافي في الصحيح عن ابن أبي عمير عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله ع قال سئل عن حد الأميال التي يجب فيها التقصير فقال أبو عبد الله ع ان رسول الله ص جعل حد الأميال من ظل عير إلى ظل وعير وهما جبلان بالمدينة فإذا طلعت الشمس وقع ظل عير إلى ظل وعير وهو الميل الذي وضع رسول الله عليه التقصير وعن الصدوق مرسلا قال قال الصادق ان رسول الله ص لما نزل عليه جبرئيل ع بالتقصير قال له النبي ص في كم ذلك فقال في بريد فقال وكم البريد قال ما بين ظل عير إلى فيئ وعير فذرعته بنو أمية ثم جزؤه على اثنى عشر ميلا فكان كل ميل ألفا وخمسمأة ذراع وهو أربعة فراسخ ولعل المراد بالذراع في هذه الرواية أيضا ذراع خاص من حديد ونحوه كان متعارفا في تلك الأزمنة يقرب طوله من ثلاثة أذرع بذراع اليد والا فما فيها من التحديد بألف و خمسمأة ذراع اما تحريف من سهو قلم النساخ أو من الراوي والا لعارضه الخبر المتقدم مضافا إلى مخالفته لما هو المشاهد المحسوس من البعد فيما بين الجبلين من كونه أكثر من ذلك بكثير على ما قيل ومنافاته للأخبار المستفيضة ان لم تكن متواترة الدالة على أن البريدين مسيرة يوم وانه إذا ذهب بريدا ورجع بريدا فقد شغل يومه إذ لو كان كل ميل ألفا وخمسمأة ذراع لكان مجموع الاثني عشر ميلا فرسخا ونصفا بالفرسخ المتعارف فلم يكن ذهابه ورجوعه شاغلا لنصف اليوم أيضا فضلا عن تمامه كما هو واضح بقي المقام أمور ينبغي التنبيه عليها الأول ان الشروط الستة المذكورة في المتن انما هي شروط في سبية السفر للتقصير فيعتبر في تحقق موضوع الحكم اندراجه في مسمى المسافر عرفا فلو اجتمع هذه الشرائط في مورد ولم يندرج في مسمى هذا الاسم لا يتحقق سبب التقصير كما لو كان خارج بلدة إلى عشرين فرسخا مكان مشتمل على أشجار وانها فقصد التنزه في ذلك المكان مدة شهر أو شهرين مستقصيا في سيره وتنزهه جميع حدوده فان هذا وان كان من مبدء مسيره قاصدا لان يسير عشرين فرسخا ولكن لا على وجه يسمى مسافرا إلى منتهى هذه المسافة بل متنزها في طولها فكان مجموع تلك المسافة بجملتها يعد ح مقصدا له فلا يلاحظ جزئه الاخر الذي ينتهى إليه سيره مستقلا كي يقال إنه سافر إلى هذا المكان الذي يبلغ المسافة فلاحظ الثاني مبدء اعتبار المسافة من اخر بلده على ما صرح به غير واحد بل المشهور على ما نسب إليهم وربما قيدوه بما إذا لم يكن خارق المعتاد والا فاخر محلته ونسب إلى الصدوق القول بأنه من منزله ولعل النسبة نشأت
(٧٢٣)