ذكر ميتا له (الخ) منصرف عن مثل هذا الفرد الذي يكون البكاء عليه من أفضل القربات ولكن الاحتياط لا ينبغي ان يترك خصوصا إذا لم يكن البكاء عليه لرجحانه شرعا بل من حيث الرحمية أو الرقة بحاله أو غير ذلك من المناسبات المقتضية له الغير الراجعة إلى امر ديني وكيف كان فالبكاء المبطل للصلاة ما كان مشتملا على الصوت لا مجرد خروج الدمع كما صرح به غير واحد إذا البكاء ممدودا مفسر بذلك في كلمات غير واحد من اللغويين وقد وقع السؤال عنه في النص فينزل اطلاق الجواب عليه وما عن بعضهم من تفسيره بالأعم لا يصلح معارضا لقول المصرحين بأنه للأخص لامكان ان يكون ذلك من باب التفسير بالأعم الشايع في كلمات اللغويين مع أن الشك في كونه اسما للأعم أو الشك في كون اللفظ الوارد في الرواية مع المد أو القصر كاف في الحكم بعدم مبطلية مجرد خروج الدمع للأصل ومن هنا يظهر ضعف ما احتمله الشهيد الثاني (ره) في محكى الروض من البطلان حيث قال واعلم أن البكاء المبطل للصلاة هو المشتمل عليه الصوت لا مجرد خروج الدمع مع احتمال الاكتفاء به في البطلان ووجه الاحتمالين اختلاف معنى الكباء مقصورا وممدودا والشك في إرادة أيهما من الأخبار و قال الجوهري البكاء يمد ويقصر فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع الكباء وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها انتهى وقد ظهر أيضا بما مر ما في كلام صاحب الحدائق حيث إنه بعد نقل عبارة الروض قال لا يخفى ان الموجود في النص الذي هو مستند هذا الحكم انما هو الفعل الشامل للامرين دون المصدر الذي هو مظهر لكل من المعنيين المذكورين و (ح) فما اشتهر بين الأصحاب من تخصيص الابطال بما إذا اشتمل على صوت دون مجرد خروج الدمع الا اعرف له وجهان انتهى توضيح ما فيه ان اطلاق الجواب ينصرف إلى النوع المعهود الذي وقع عنه السؤال فلا يفهم منه إرادة الجنس مع أن مقتضى ما ذكره في الروضة ونقله عن الجوهري ان البكاء مقصورا وممدودا موضوعان لمعنيين متباينين وقضية ذلك كون الفعل المصوغ منهما مشتركا لا موضوعا للقدر المشترك حتى يحمل اطلاقه عليه ولكنه لا يخلو من نظر وكيف كان فالأقوى ما عرفت ومنها تعمد الأكل والشرب على قول نسبة في الحدائق إلى المشهور ثم قال واصل الحكم المذكور ذكره الشيخ في الخلاف والمبسوط وادعى عليه الاجماع وتبعه عليه أكثر من تأخر عنه ومنعه المحقق في المعتبر وطالبه بالدليل على ذلك وهو جيد فانا لم نقف على ما يدل عليه من الأخبار والى هذا ما جملة من أفاضل المتأخرين ومتأخريهم أقول فهؤلاء الأفاضل لا يرون لعنوان الأكل والشرب من حيث هو دخلا في الابطال بل يرون الابطال دائرا مدار صدق عنوان الفعل الكثير كما صرح به في محكى الذكرى حيث قال اما الأكل والشرب فالظاهر أنهما لا يبطلان بمسماهما بل بالكثرة فلو ازدرد ما بين أسنانه لم يبطل اما لو مضغ لقمة وابتلعها وتناول قلة فشرب منه فان كثر ذلك عادة بطل وان كان لقمة أو شربة فقد قال في التذكرة يبطل لأن تناول المأكول ومضغه وابتلاعه افعال متعددة انتهى وعن المنتهى أنه قال ولو ترك في فيه شيئا يذوب كالسكر فذاب فابتلعه فلم تفسد صلاته عندنا وعندنا الجمهور تفسد لأنه يسمى اكلا اما لو بقي بين أسنانه شئ من بقايا الغذاء فابتلعه في الصلاة لم تفسد صلاته قولا واحدا لأنه لا يمكن التحرز عنه وكذا لو كان في فيه لقمة ولم يبلعها الا في الصلاة لأنه فعل قليل انتهى وفي الروضة بعد ان علل مبطلية الأكل والشرب وان كان قليلا كاللقمة بأنه اما لمنافاتهما وضع الصلاة أو لأن تناول المأكول والمشروب ووضعه في الفم وازدراده افعال كثيرة قال وكلاهما ضعيف إذ لا دليل على أصل المنافاة فالأقوى اعتبار الكثرة فيهما عرفا فيرجعان إلى الفعل الكثير وهو اختيار المصنف ره في كتبه الثلاثة انتهى واحتج القائلون بالابطال بقاعدة الشغل وبنقل الشيخ في الخلاف الاجماع عليه وبمعروفية المنافاة بينهما وبين الصلاة لدى المتشرعة بحيث يعرفها العوام والنساء والصبيان ويتوجه على الاستدلال بقاعدة الشغل ما مر مرارا من أن المرجع في مثل المقام انما هو اصالة البراءة وعدم مبطلية للصلاة وقد تقدم في لباس المصلي ما يوضح هذا الأصل واما الاجماع المنقول ففيه انه ليس بحجة كما بيناه في محله خصوصا مع معروفية الخلاف ولا سيما إذا كان ناقله مثل الشيخ الذي يرى اتفاق العلماء في عصره طريقا قطعيا لاستكشاف رأي المعصوم عليه السلام بقاعدة اللطف فاخباره عن رأى المعصوم الذي هو مناط حجية نقل الاجماع لدى القائلين به يكون (ح) اخبارا حدسيا ناشئا عن مقدمة مخدوشة واما كونه معروفا لدى المتشرعة ففيه انه لا يرجع إلى دليل يعتد به لأنه ان أريد بذلك استكشاف كونه ضروريا يتوجه عليه ان دعوى الضرورية في الاحكام التي ليس لها فيما بأيدينا من كلمات الشارع عين ولا اثر خطأ كما أوضحناه في مسألة انكار الضروري من كتاب الطهارة وان أريد بذلك استكشاف تلقيه من الشارع يدا عن يد ففيه انه لا ملازمة بينه وبين وصوله إليهم يدا عن يد عن المعصوم بل يكفي في تحقق هذا النحو من المعروفية في مثل هذا الحكم العام الابتلاء فتوى العلماء به في برهة من الزمان ولو من باب الاحتياط أو حصول الترك من السابقين الذين تعلموا منهم صورة الصلاة لمنافاتهما للخضوع الذي ينبغي رعايته حال الصلاة أو لكونهما غالبا من الفعل الكثير الذي يجب التحرز عنه حال الصلاة والحاصل ان تحصيل القطع برأي المعصوم من مثل هذه المعروفية كما هو مناط حجية مثل هذه الأمور في غاية الاشكال فما ذهب إليه غير واحد من المتأخرين من اعتبار الكثرة فيهما عرفا بان يكونا بمقدار يعتد به بحيث يسمى فاعلهما في العرف حال التلبس بهما اكلا وشاربا لا مصليا هو الأشبه اقتصارا في الحكم المخالف للأصل على القدر المتيقن الذي انعقد عليه الاجماع وان كان قد يغلب على الظن كون الأكل والشرب أشد تنافيا للحالة المطلوبة في الصلاة من التوجه والاقبال إلى الله تعالى من مثل القهقهة والبكاء وسائر القواطع ولكنه لا عبرة بهذا الظن الناشي من الحدس والتخمين الا ان الاحتياط ممالا ينبغي تركه واما ما حكى عن العلامة (ره) من أنه جعل مطلق الأكل والشرب بانضمامهما إلى مقدماتهما من الفعل الكثير فلا يخفي ما فيه ضرورة عدم مساعدة العرف الذي جعلوه مرجعا في ذلك عليه مضافا إلى أن الكثير من الافعال القليلة التي ورد النص بجواز كحك النخامة عن حائط المسجد وقتل الحية والعقرب ونظائرها مقدماتها كأكثر من ذلك فكان مغروسية
(٤١٤)