قبيل ان الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو غير مناف لاتصافه بكونه مستقيما في تدينه الذي هو معنى العدالة في الدين لا عرفا ولا شرعا اما عرفا فواضح واما شرعا فأوضح ضرورة انه لم يقصد بمثل قوله تعالى واشهدوا ذوى عدل منكم وغير ذلك من الاحكام المعلقة على العدالة في باب الشهادات والمرافعات والحدود و الأمانات من كان أعلى مرتبة من ذلك لندرته فيما بين الأنام بحيث يوجب اعتباره تعطيل الاحكام ولا يخفى عليك ان من لوازم حصول هذه المرتبة من الخوف والاعتناء بالدين بل ما دونها أيضا عروض الندامة له لو صدر منه ذنب بعد انقضاء مدته وانقطاع شهوته على تقدير الالتفات إليه والا لم يعقل امتناعه منه لدى تجدد ما يقتضيه ففعل التوبة أي الندامة على الذنب وتداركه بالاستغفار مثلا لو توقف عليه لدى الالتفات إليه من لازم أدنى مرتبة الاعتناء بالدين فضلا عن بلوغه إلى حد يبعثه على ملازمة التقوى والصلاح عادة والى ما ذكرنا يؤل كلام من فسرها بملكة التقوى إذ لم يقصد بالملكة ما يمتنع معها الانفكاك كما هو واضح ان قلت مقتضى ما ذكرت في تفسير العدل من أنه عبارة عن الاستقامة في الدين بان يكون اعتنائه بدينة وخوفه من المعصية بالغا إلى حد يبعثه في العادة على الخروج عن عهدة تكاليفه الشرعية وأم تخلف عنه أحيانا هو الالتزام بعدالته بعد احراز هذه المرتبة من التدين وان وجدناه بالفعل يرتكب الذنب مع أنه بحسب الظاهر مخالف للاجماع قلت لا مانع عن الالتزام بخروجه بمقارفة الذنب عن حد الاستقامة والاعتدال بالفعل ولكن حيث يكون خروجه الفعلي على خلاف ما يقتضيه حاله وشدة اعتنائه بالدين يزول اثره بعد انقضاء مدته وعروض الندامة له نعم قد يورد هذا المثال نقضا على من فسرها بالملكة ولكن يجاب عنه أيضا بان مرادهم بالملكة ليس مجرد القابلية بل بشرط مانعيتها بالفعل فهي عندهم عبارة عن الحالة النفسانية المانعة عن ارتكاب المعصية فمتى وجدت هذه الحالة في شخص لو خلى ونفسه فهو عدل ما دام كذلك ومتى عرضه داع قوى مانع عن تأثير تلك الحالة في المنع الفعلي انتقضت عدالته فإذا زال العارض عاد إلى ما هو عليه وقد ظهر بما ذكرنا اندفاع ما قد يورد عليهم من أنه لا خلاف على الظاهر في زوال العدالة بارتكاب كبيرة وعودها بالتوبة فلو كانت العدالة ملكة لامتنع عودها بسرعة بعد زوالها توضيح الاندفاع ان زوالها لم يكن الا لعارض منع ما في نفسه من الحالة المقتضية لترك المعصية عن تأثيرها فيما يقتضيها فإذا زال العارض عاد إلى ما هو عليه من غير حاجة إلى التوبة أيضا الا بلحاظ وجوبها من حيث هي وكون تركها معصية والا فلو غفل عنها لم يقدح تركها في عدالته بعد فرض كونه بالفعل كما قبل صدور الذنب عنه موصوفا بكونه ذا ملكة تعصمه عن ارتكاب المعاصي فليتأمل وكيف كان فالعدالة التي هي عبارة عن الاستقامة في الدين أي الالتزام بما دان به قولا وفعلا واعتقادا من الأوصاف الغير القابلة للاحساس وانما يستكشف وجودها بوجود اثارها كشدة المواظبة على فعل الطاعات والتجنب عن المعاصي الظاهرية ومنافيات المروة ونحوها ولكن هذه الامارات امارات ظنية قد يتخلف عن الواقع إذ رب شخص في الظاهر في غاية التقوى والصلاح وفي الباطن من أهل الشرك والنفاق وهذا مما لا يعلمه الا الله تعالى فلا يجب في الموارد التي اعتبرها الشارع موضوعا لحكم كما في الشاهد والامام ونحوهما احرازها بالعلم لتعذره في العادة وهل يعتبر تحصيل الوثوق بكونه عدلا في الواقع أم يكفي الاعتماد على حسن ظاهره مطلقا أو بشرط افادته الظن بالواقع أو يكفي مجرد ظهور الاسلام أي الايمان في كونه ملتزما في مقام عمله بما أقربه واعترف من حقية دينه واحكام شريعته ما لم يعلم منه فسق وجوه بل أقوال وربما يوهم بعض كلماتهم ان هذه الأقوال انما هي في نفس العدالة ولكن التأمل الصادق يعطى ظهورها فيما عرفت وكيف كان فمما يدل على اعتبار الوثوق وعدم كفاية ما دونه مضافا إلى الأصل قوله عليه السلام في خبر علي بن راشد المتقدم لا تصل الا خلف من تثق بدينه وأمانته وفي المرسل المروى في الفقه الرضوي المتقدم ولا تصل خلف أحد الا خلف رجلين أحدهما من تثق به وبدينه وورعه وقوله عليه السلام في خبر المرافقي المتقدم إذا كنت خلف امام تتولاه وتثق به إلى آخره ولا يعارضها خبر عبد الرحمن القصير قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول إذا كان الرجل لا تعرفه يؤم الناس فيقرء القران فلا تقرء خلفه واعتد بصلاته لوجوب حمله على ما لو أفاد ايتمام الناس به الوثوق بعدالته أو حمله على التقية لعدم صلاحيته لمعارضة ما عرفت مضافا إلى الروايات الخاصة الناهية عن الصلاة خلف من لا يعرفه كخبر حماد المروى عن رجال الكشي عن أبي الحسن عليه السلام قال قلت له اصلى خلف من لا اعرف فقال لا تصل الا خلف من تثق بدينة وعن خلف بن حماد عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام قال لا تصل خلف الغالي وان كان يقول بقولك والمجهول والمجاهر بالفسق وان كان مقتصدا وعن الصدوق مرسلا قال قال الصادق ثلاثة لا يصلى خلفهم المجهول والغالي وان كان يقول بقولك والمجاهر بالفسق وان كان مقتصدا ولا يمكن الجمع بينها بحمل سائر الأخبار المعارضة له على ما إذا لم يقرء القران أو لم يحرز منه ذلك لابائها عن ذلك كما هو واضح ومما يدل على كفاية حسن الظاهر صحيحة ابن أبي يعفور المسوقة لبيان ما يعرف به عدالة الرجل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم فقال إن تعرفوه بالستر والعفاف وكف البطن والفرج واليد واللسان ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك والدلالة على ذلك كله ان يكون سائرا لجميع عيوبه حتى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه ويجب عليهم تزكيته واظهار عدالته في الناس ويكون منه التعاهد للصلوات الخمس إذا واظب عليهن وحفظ مواقيتهن بحضور جماعة المسلمين وان لا يتخلف عن جماعتهم في مصلاهم الا من علة فإذا كان كذلك لازما لمصلاه عند حضور الصلوات الخمس فإذا سئل عنه في قبيلته ومحلته قالوا ما رأينا منه الا خيرا مواظبا على الصلوات متعاهدا لأوقاتها في مصلاه فان ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين وذلك أن الصلاة ستر وكفارة للذنوب وليس يمكن الشهادة على الرجل بأنه يصلى إذا كان لا يحضر مصلاه ويتعاهد جماعة المسلمين وانما جعل الجماعة والاجتماع إلى الصلاة لكي يعرف من يصلى ممن لا يصلى ومن يحفظ مواقيت الصلاة ممن يضيع ولولا ذلك لم يكن أحدا ان يشهد على اخر بصلاح لان من لا يصلى لا صلاح له
(٦٦٩)