الانتقال من المرتبة التي تعلق بها الطلب إلى ما دونها بلا ضرورة مسوغة لذلك بخلاف ما لو كان ندبيا فإنه حيث يجوز تركها رأسا يجوز الاقتصار على بعض مراتبها الناقصة لدى عدم إرادة الاتيان بالأكمل فإنه أولى من الترك رأسا فليتأمل ويجب قضاء الفريضة الفائتة وقت الذكر ما لم يتضيق وقت فريضة حاضرة وقد اختلفت كلمات الأصحاب وتشتت آرائهم في هذه المسألة في أنه هل يجب قضاء الفائتة فورا أم يجوز التراخي وانه هل يعتبر الترتيب بينها وبين الحاضرة بان يأتي بالفائتة أولا مع الامكان ثم الحاضرة أو بالعكس أم لا ترتيب بينهما أصلا وفي الجملة كما ستعرف تفصيله ههنا مسئلتان الأولى انه هل يجب المبادرة إلى فعل القضاء أي الاتيان بها فورا أم لا وبعبارة أخرى هل الامر فيها مبنى على المضايقة أم المواسعة الثانية في اعتبار الترتيب وقد اختلط الكلمات في هاتين المسئلتين فربما يستدلون للقول بالمضايقة بما يدل على الترتيب أو بالعكس وكذا للموسعة بما يدل على عدم اعتبار الترتيب أو بالعكس ومن هنا زعم بعض اتحاد المسئلتين وابتناء القول بالترتيب على المضايقة وعدمه على عدمها وهو لا يخلو من نظر إذ لا ملازمة بين الامرين فيجوز الالتزام بالترتيب من جهة النصوص الآتية دون المضايقة وان أفضى إليها أحيانا اما لكثرة الفوائت أو لعدم تذكرة الا في ضيق الوقت وكذا يجوز القول بالمضايقة بدون الترتيب لأجل بعض الأدلة الآتية كما حكى عن صاحب هدية المؤمنين نعم لازم هذا القول الالتزام بالترتيب بناء على اقتضاء الامر بالشئ النهى عن ضده الخاص وكون المراد بالمضايقة المضايقة الحقيقية بحيث ينافيها التشاغل بسائر الاعمال بمقدار أداء صلاة ما لم يغسل؟ إليها وكل من المبنيين محل نظر أو منع وكيف كان فالأولى افراد كل من المسئلتين واتباع ما يقتضيه دليلها فأقول حكى عن جملة من الأصحاب منهم السيد والحلي والحلبي وظاهر المفيد والديلمي القول بوجوب القضاء الفائتة فورا أو عدم جواز التأخير حتى أنه حكى عنهم المنع عن الأكل والشرب والنوم والتكسب الا بمقدار الضرورة وعن بعض منهم التصريح ببطلان الفريضة في أول الوقت ويظهر من المحكى عن ابن حمزة في الوسيلة القول بالمضايقة في الفائتة نسيانا وبالمواسعة فيما تركها قصدا حيث قال اما قضاء الفرائض فلم يمنعه وقت الا تضيق وقت وهو ضربان اما فاتته نسيانا أو تركها قصدا اعتمادا فان فاتته نسيانا وذكرها فوقتها حين ذكرها الا عند وقت تضيق وقت الفريضة فان ذكرها وهو في فريضة حاضرة عدل بنيته إليها ما لم يتضيق الوقت وان تركها قصدا جاز له الاشتغال بالقضاء إلى اخر الوقت والأفضل تقديم الحاضرة عليه وان لم يشتغل بالقضاء واخر الأداء إلى اخر الوقت كان مخطئا انتهى فان ظاهره بقرينة التفريع وجوب العدول من الحاضرة إلى الفائتة من حيث وجوب المبادرة إلى المنسية وقت الذكر لا من حيث اعتبار الترتيب ويحتمل كونه من القائلين بالمضايقة مطلقا ولكنه يجعل مقدار زمان يسع الحاضرة اما مستثنى من وجوب المبادرة ببعض التقريبات الآتية أو انه يلتزم بالمضايقة العرفية التي لا ينافيها مثل الصلاة التي هي من الضروريات في أول وقتها كما ربما يؤيد هذا الاحتمال قوله وان لم يشتغل بالقضاء واخر الأداء إلى اخر الوقت كان مخطئا اللهم الا ان يكون حكمه بكونه مخطئا لا لأجل عدم اشتغاله بالقضاء في هذا الحين بل لتأخيره الصلاة بلا عذر فإنه على ما نسب إليه ممن لا يجوز التأخير إلى اخر الوقت اختيارا الا لأولي الأعذار فيكون مراده بصدر العبارة بيان كون التشاغل بالقضاء من الاعذار المسوغة له وكيف كان فقد استدل للقول بالمضايقة بأمور الأول اصالة الاحتياط اما من حيث الفورية فإنه مع المبادرة يا من من العقوبة ولدى التأخير لا يامن من ذلك خصوصا مع احتمال طر والعجز واما من حيث تيقن الخروج عن عهدة الحاضرة إذ لو قدمها يشك في صحتها ما لم يتضيق الوقت فلا يحصل معه يقين البراءة عما اشتغلت الذمة به يقينا وفيه ان الاحتياط الجهة الأولى غير لازم المراعاة جزما لكونها شبهة وجوبية والشك فيها شك في تكليف اصلى وهو وجوب القضاء فورا ومقتضى الأصل عدمه اتفاقا كما ادعاه شيخنا المرتضى رحمه الله وكذا من الجهة الثانية إذ البحث فيها من هذه الجهة راجع إلى مسألة الشك في الشرطية والمختار فيها أيضا البراءة خصوصا لو كان الشك فيها ناشئا من الشك في الفورية لا وجوبه تعبدا إذ المتجه على هذا التقدير القول بالبراءة وان قلنا بالاحتياط في تلك المسألة إذ المرجع حينئذ هو الأصل الجاري في الشك السببي أي اصالة في لفورية دون المسببى لحكومته عليه كما تقرر في محله ثم على تقدير تمامية اصالة الاحتياط من هذه الجهة فهي من أدلة الترتيب لا الفورية كما لا يخفى الثاني اطلاق أو امر القضاء بدعوى ظهورها لغة أو شرعا أو عرفا في الفور والجواب المنع إذ لا دلالة للامر على الفور لا لغة ولا شرعا ولا عرفا الثالث الأدلة الخاصة من الكتاب والسنة فالأول قوله تعالى أقم الصلاة لذكرى بناء على ما نسب إلى كثير من المفسرين من أنه في الفائتة فعن الذكرى أنه قال قال كثير من المفسرين انه في الفائتة لقول النبي صلى الله عليه وآله من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها ان ا لله تعالى يقول أقم الصلاة لذكرى وفي رواية زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال إذا فاتتك صلاة فذكرتها في وقت أخرى فان كنت تعلم انك ان صليت التي فاتتك كنت من الأخرى في وقت فابدء بالتي فاتتك ان الله عز وجل يقول وأقم الصلاة لذكرى انتهى وعن الطبرسي بعد ذكر جملة من معانيه وقيل معناه أقم الصلاة متى ذكرت ان عليك صلاة كنت في وقتها أم لم تكن عن أكثر المفسرين وهو المروى عن أبي جعفر عليه السلام وعن القمي (ره) إذا نسيت صلاة ثم ذكرتها فصلها ومثل خبر زرارة المتقدم في تفسير الآية صحيحة الأخرى الواردة في حكاية نوم النبي صلى الله عليه وآله وفيها من نسي شيئا من الصلاة فليصله إذا ذكرها ان الله تعالى يقول وأقم الصلاة لذكرى ويتوجه على الاستدلال بالآية انه ان أريد بذلك الاستدلال بنفس الآية مع قطع النظر عن الرايات في تفسيرها ففيه مالا يخفى من عدم دلالتها بنفسها عليه بل مخالفته لظاهرها خصوصا بعد الالتفات إلى كون الخطاب بها بظاهرها متوجها إلى موسى عليه السلام الذي يمتنع ان يفوته الصلاة نسيانا وقد قبل في تفسيرها وجوه أوفق بمداليل ألفاظها من إرادة خصوص قضاء الفائتة فقيل معناها أقم الصلاة لتكون ذاكر إلى غير ناس وقيل لأجل ذكرى لأنها مشتملة على التحميد والتسبيح والتعظيم وقيل لأوقات ذكرى و هي مواقيت الصلاة وقيل لان أذكرك بالمدح والثناء عليك وان أريد الاستدلال بها بمعونة الاخبار ففيه أولا أنه لا يكاد يفهم من الاخبار إرادة خصوص قضاء الفائتة من الآية خصوصا بعد الالتفات إلى اباء سوق الآية عن ذلك إذ لا مناسبة في عطف الامر بقضاء الفائتة لدى التذكر على الامر بالعبادة الواقعة في قوله تعالى انني انا الله لا اله الا انا فاعبدني قبل الامر بأدائها بل المناسب له الامر بإقامة الصلاة على الدوام كي لا يعرضه فتورا ونسيان في العبودية كما هو بعض المعاني المزبورة ولا منافاة بينه وبين تلك
(٦٠٤)