الذي قد عرفت ان مقتضاه استثناء أهل مكة من ذلك كما هو قول علمائنا وأكثر أهل العلم على ما ادعاه في محكى المنتهى وان يخرجوا معهم الشيوخ والأطفال والعجائز على المشهور كما عن بعض لأنهم أقرب إلى الرحمة واسرع للإجابة كما يؤيده النبوي لولا أطفال رضع وشيوخ ركع وبهائم رتع لصب عليكم العذاب صبا وعن الفقه في خطبتها اللهم ارحمنا بمشائخ ركع وصبيان رضع وبهائم رتع وشباب خضع وينبغي ان يخرجوا معهم أيضا أهل الصلاح والتقوى ونحوهم مما فيه مظنة الإجابة وان لا يخرجوا معهم ذميا على ما صرح به غير واحد لقوله تعالى وما دعاء الكافرين الا في ضلال وفيه نظر فان رحمة الله تعالى واجابه الدعاء في الدنيا لا تختص باهل الصلاح والتقوى بل لكل كبد حراء اجر فينبغي اخراج عموم المخلوقين المعترفين بفقرهم وحاجتهم إلى رحمة الله هذا مع أن الله تعالى هو المطلع على السرائر فرب شخص يظن بظاهره انه من أهل الصلاح وهو باطنا من أهل الشرك والنفاق ويستحب أيضا على المشهور على ما نسب إليهم ان يفرقوا بين الأطفال وأمهاتهم لما فيه من الهيئة بكثرة البكاء والضجيج مما يستوجب الرأفة والرحمة كما يشهد لذلك ما نقل من فعل قوم يونس بأمر عالمهم فكشف الله عنهم العذاب ويتحقق بان يعطي الولد غير أمه أو غير ذلك من انحناء التفريق مما يؤمن معه الضرر على الطفل وهذه الأحكام بحسب الظاهر من المستحب الكفائي وان كان تنظيمها غالبا من وظائف الامام فإذا فرغ الامام من الصلاة حول استحبابا ردائه بجعل ما على يمينه على يساره وبالعكس تأسيا برسول الله صلى الله عليه وآله وتفألا بتحويل الجدب خصبا كما يدل عليه مرسلة ابن أبي عمير عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته لأي علة حول رسول الله صلى الله عليه وآله في صلاة الاستسقاء ردائه الذي على يمينه على يساره والذي على يساره على يمينه قال أراد بذلك تحويل الجدب خصبا ومرفوعة محمد بن يحيى عن أبي عبد الله عليه السلام قال سئلته عن تحويل النبي صلى الله عليه وآله ردائه إذا استسقى قال علامة بينه وبين أصحابه بحول الجدب خصبا وخبر انس بن عياض عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان إذا استسقى ينظر إلى السماء ويحول ردائه عن يمينه إلى يساره وعن يساره إلى يمينه قال قلت له ما معنى ذلك قال علامة بينه وبين أصحابه بحول الجدب خصبا ويدل عليه أيضا موثقة ابن بكير قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام في الاستسقاء قال يصلي ركعتين ويقلب ردائه الذي (على يمينه فيجعله) على يساره والذي على يساره على يمينه ويدعو الله فيستسقى وفي صحيحة هشام المتقدمة فإذا سلم الامام قلب ثوبه وجعل الجانب الذي على المنكب الأيمن على المنكب الأيسر والذي على الأيسر على الأيمن فان رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك صنع ثم إن وقت تحويل الرداء على ما يقتضيه اطلاق الأخبار انما هو بعد الفراغ من الصلاة سواء صعد المنبر أم لا ولكن في خبر مرة ثم يصعد المنبر فيقلب ردائه وهذا ظاهره اختصاص وقته بما بعد الصعود ولكن الأظهر تعميم الوقت وجعل ما في هذه الرواية من باب كونه أحد الافراد لا كونه بخصوصه هو المراد كي يلزمه ارتكاب التقييد في سائر الأخبار إذ لا مقتضى لحمل المطلق على المقيد في المستحبات كما أوضحناه في غير مقام ثم استقبل القبلة وكبر مائة تكبيرة رافعا بها صوته وبعده سبح الله ملتفتا إلى الناس عن يمينه كذلك اي مائة تسبيحة رافعا بها صوته وبعده هلل الله عن يساره ملتفتا إلى الناس مثل ذلك اي مائة تهليلة رافعا بها صوته وبعده استقبل الناس بوجهه وحمد الله مائة تحميدة كما وقع التصريح بذلك كله في خبر مرة مولى محمد بن خالد المتقدم وكان ينبغي للمصنف رحمه الله ان يتعرض لاستحباب رفع اليدين والدعاء بعد المأة تحميدة لوقوع التصريح بذلك أيضا في الخبر المزبور حيث قال عليه السلام بعد ان امره بمأة تحميدة ثم يرفع يديه فيدعو ثم يدعون ومن ذلك يعلم استحباب متابعة المأمومين للامام في الدعاء ولعله من ذلك استشعر المصنف رحمه الله وغيره استحباب المتابعة لهم في ذلك كله لا في خصوص الدعاء فقال وهم اي المأمومون يتابعونه في ذلك كله كما يؤيد ذلك عموم قوله صلى الله عليه وآله في النبوي المشهور انما جعل الامام اماما ليؤتم به وان كان في شموله لمثله تأمل الا ان المقام مقام المسامحة مع معلومية استحباب ذكر الله في كل حال وكون متابعتهم له في جميع ذلك أبلغ في التضرع والخشوع وارجى للإجابة فلا بأس بالالتزام برجحانه لذلك والا فلم نقف على ما يدل عليه بالخصوص والله العالم ثم يخطب ويبالغ في تضرعاته اما استحباب الخطبة بعدها فقد عرفته فيما سبق واما المبالغة في تضرعاته فلان الاستسقاء انما شرع لذلك والأولى اختيار شئ من الخطب المأثورة عن الأئمة عليهم السلام مثل خطبة أمير المؤمنين التي أولها الحمد لله سابغ النعم وغير ذلك من الخطب المأثورة عنهم في المقام أو غيره مما يناسب الحال ثم إن مقتضى ظاهر المتن استحباب تأخير الخطبة عن الأذكار المزبورة وحكى عن غير واحد من القدماء القول بالعكس وربما قيل بجوازهما معا وهو أوفق بما يقتضيه اطلاقات أدلتهما فهو الأشبه فان تأخرت الإجابة كرر والخروج حتى تدركهم الرحمة في المدارك هذا قول علمائنا وأكثر العامة ويدل عليه مضافا إلى وجود السبب المقتضى للاستحباب قوله عليه السلام ان الله تبارك وتعالى يحب التلحين في الدعاء وينبغي استيناف الصوم مع عدم استمراره لاطلاق الامر به قبل الصلاة انتهى وهو جيد وكما يجوز هذه الصلاة عند قلة الأمطار فإنها تجوز عند جفاف مياه العيون والآبار عند علمائنا كافة كما عن التذكرة وكفى بمثله دليلا لمثله من باب المسامحة والله العالم الثاني مما لا يختص وقتا بعينه صلاة الاستخارة والاستخارة هي طلب الخيرة قاله في القاموس وغيره وفي المجمع خار الله لك أعطاك الله ما هو خير لك والخيرة بسكون الياء اسم منه والاستخارة طلب المخيرة كعنبة وأستخيرك بعلمك اي اطلب منك الخيرة متلبسا بعلمك بخيري وشري وقال ابن إدريس الاستخارة في كلام العرب الدعاء يعني طلب الخيرة وقال أيضا معنى استخرت الله استدعيته ارشادي قال وكان يونس بن حبيب اللغوي يقول إن معنى قولهم استخرت الله استفعلت من الخير اي سئلت الله ان يوفق لي خير الأشياء التي أقصدها انتهى وهي هذا المعنى راجح شرعا وعقلا لأنها دعاء ومسألة وقد ورد الحث عليها بالخصوص في جملة من الأخبار ففي خبر هارون ابن خارجة عن أبي عبد الله عليه السلام قال من استخار الله راضيا بما صنع خار الله له حتما ويستحب فعلها بعد ان يصلي ركعتين كما يدل عليه صحيحة عمرو بن حريث المروية عن الكافي عن أبي عبد الله قال قال أبو عبد الله عليه السلام صل ركعتين واستخر الله فوالله ما استخار الله مسلم الا خار الله له
(٥١٦)