المتقدم قال لا صلاة خلف الفاجر أقول المتبادر من اطلاق الفاسق والفاجر من كان له ملكة الفسق والفجور لا مطلق من باشر معصية فحال هذا النوع من الاخبار حال مرسلة الصدوق قال قال الصادق ثلاثة لا يصلى خلفهم المجهول والغالي ان كان يقول بقولك والمجاهر بالفسق وان كان مقتصدا ورواية سعد بن إسماعيل عن أبيه قال قلت للرضا عليه السلام رجل يقارف الذنوب وهو عارف بهذا الامر اصلى خلفه قال لا فلا يستفاد من مثل هذه الأخبار عدم جواز الصلاة خلف من يرتكب الذنب أحيانا من غير أن يكون له ملكة المعصية فهي أخص من المدعى كما ستعرف بل قد يستشعر من تخصيص المجاهر بالذكر في المرسلة نفى البأس عمن ليس متجاهرا ولكنه لا ينبغي الالتفات إلى مثل هذه الاشعارات في مقابل ما عرفت واما صحيحة عمر بن يزيد قال سئلت أبا عبد الله عليه السلام عن امام لا بأس به في جميع أموره غير أنه يسمع أبويه الكلام الغليظ الذي يغيظهما اقرأ خلفه قال لا تقرء خلفه ما لم يكن عاقا قاطعا فالظاهر عدم منافاته لشرطية العدالة كما سنوضحه عند شرح العدالة وربما يستشعر من كلام السائل كون اشتراط عدالة الامام لديه على اجماله مفروغا عنه ولذا استشكل في الايتمام بمن كان له ملكة الورع والتقوى عدى انه لا يتجنب هذه الخطيئة التي ليست من الكبائر ما لم تبلغ مرتبة العقوق فليتأمل ثم إن المحصل من مجموع الاخبار انه يشترط في الامام ان لا يكون فاسقا فاجرا بل ممن يوثق بدينة وأمانته كما في خبر علي بن راشد أو به وبدينه وورعه كما في المرسل المنقول عن الفقه الرضوي وكونه كذلك مساوق المفهوم العدالة ولم يرد في شئ من الاخبار المزبورة التصريح بلفظ العدالة عدى مضمرة سماعة ومعاقد الاجماعات المحكية وكيف كان فهي معتبرة في جواز الايتمام بلا شبهة وهل هي معتبرة في صحة الإمامة أيضا بمعنى ان عدالة الامام هل هي شرط واقعي لصحة الجماعة فلا يجوز للامام أيضا ما لم يحرز من نفسه العدالة فضلا عما لو احرز فسق نفسه الاعتداد بجماعته بالرجوع في شكه مثلا إلى حفظ المأموم أو البناء على صحة صلاته فيما إذا كانت الجماعة شرطا لصحته كالجمعة والمعادة أم الشرط في صحة الجماعة ليس الا كونه عادلا بنظر المأموم وجهان أوجههما الثاني لقصور الاخبار المزبورة عن إفادة شرطيتها في أصل الجماعة من حيث هي بحيث تتعدى إلى الامام أيضا اما الروايات الناهية عن الصلاة الا خلف من يوثق بدينة وأمانته وورعه فواضح فإنها لا تدل الا على اعتبار الوثوق بعدالة الامام في صحة الايتمام فمتى تحقق الوثوق فقد حصل الشرط سواء كان عدلا في الواقع أم لم يكن ولا ينافي ذلك ما سنشير إليه من أن الظاهر أن شرطية الوثوق ليست بملاحظة كونه صفة خاصة حاصلة للنفس بل من حيث كونه طريقا لاحراز العدالة ولذا يصح ان يقوم البينة مقا مه لان هذا لا يقتضى الا التعميم في الشرط بأن يكون المراد من مثل قوله لا تصل الا خلف من تثق بدينه ان لا تصل الا خلف من تثبت عدالته عندك باي طريق يكون فالمدار على ما يقتضيه ظاهر اللفظ على ثبوت عدالته لدى المأموم لا على كونه في الواقع عدلا ودعوى ان المتبادر من تعليق الحكم على الوثوق بشئ كتعليقة على العلم به ليس الا ارادته من باب محض الالية لترتيب احكام متعلقه من غير أن يكون له من حيث هو مدخلية في ذلك ان سلمت ففي خصوص لفظ العلم دون غيره من لفظ اليقين والاعتقاد والوثوق ونحوها إذ لا شاهد عليها بل الشواهد بخلافها والحاصل انه لا يفهم عرفا من مثل قوله لا تصل الا خلف من تثق بدينه شرطية العدالة الواقعية لصحة الايتمام بل كونه عدلا لدى المأموم ولو سلم ظهوره في ذلك لوجب صرفه عن هذا الظاهر جمعا بينه وبين ما ستسمعه مما يدل على أنه لو تبين بعد الصلاة فسق الامام أو كفره لا يقدح ذلك في صحة صلاته فإنه كاشف عن أن ما هو شرط لصحة الصلاة خلفه هو ظهور عدالته عند المأموم لا كونه عدلا في الواقع لا يقال إن ما دل على مضى صلاته التي انكشف بعدها كون امامه فاسقا لا يكشف عن أن شرط صحة الايتمام هو ظهور العدالة عند المأموم لا كونه عدلا في الواقع لامكان ان يكون ذلك لعدم اخلاله بأركان الصلاة وان كان الايتمام في نفسه باطلا لأنا نقول قضية النهى عن الصلاة خلفه بعد فرض كونه مسوقا لبيان الحكم الوضعي هي بطلان الصلاة خلفه لا نفس الايتمام من حيث هو وبهذا ظهر لك الجواب عن الاستدلال بمثل قوله عليه السلام في خبر الأعمش لا صلاة خلف الفاجر فإنه يجب حمله على إرادة الفاجر الذي لم يعتقد المأموم عدالته أو علم بفجوره جمعا بينه وبين ما عرفت واما خبر السياري وان كان ظاهرا في شرطية العدالة بل وفوقها للامام ولكنك عرفت في مكان الالتزام بما تضمنه مع ما فيه من قصور السند وكذا رواية زيد بن علي الناهية عن امامة الأغلف فإنها أيضا ظاهرة في ذلك ولكنها غير ناهضة للحجية مع قوة احتمال ان يكون الملحوظ في النهى منع القوم عن الايتمام به لا نهيه عن الإمامة لهم فليتأمل ثم لو قلنا بالاشتراط فهل يجوز له من حيث الحكم التكليفي إذا اعتقد المأمومون عدالته ان يؤم بهم من غير أن يترتب عليه بالنسبة إلى نفسه اثر الجماعة الصحيحة وجهان أشبههما ذلك للأصل وكونه إعانة علي البر والتقوى لان فسقه الواقعي لا يقدح بصلاة المأمومين بل ولا بجماعتهم لما أشرنا إليه من أن الشرط بالنسبة إليهم ليس الا ظهور عدالته عندهم كما أن ايتمام المأمومين به وتبعيتهم له في افعاله غير قادح بصلاته فلا يترتب على إمامته ما لم يترتب عليه اثار الجماعة ولم يقصد به التشريع مفسدة مقتضية للحرمة لا سيما فيما لو قصد بذلك عنوانا راجحا كإيصال النفع إلى الغير أو تعظيم الشعائر وإقامة المعروف وغير ذلك من العناوين الراجحة اللهم الا ان يدعى ظهور النهى عن امامة الأغلف في الحرمة التكليفية لا محض الارشاد إلى عدم أهليته للإمامة فليتأمل واما مهية العدالة فهي عرفا ولغة الاستقامة والاستواء والمراد بها في اطلاقات الشارع وعرف المتشرعة هي الاستقامة على جادة الشرع فرجل عدل أي مستقيم على الجادة غير خارج عنا بارتكاب المعاصي وانما يطلق ذلك فيما إذا صار صفة الاستقامة خلقا له ناشئا من تدينه نظير قولنا هذه الخشبة عدلة فإنه لا يكفي في اتصافها بهذه الصفة على الاطلاق مجرد عروض هذا الوصف له ولو بقسر قاسر ومن هنا اشتهر بين المتأخرين انها كيفية نفسانية باعثة على ملازمة التقوى أو عليها مع المروة وان اختلفوا في التعبير عنها بلفظ الكيفية أو الحالة أو الهيئة أو الملكة وكيف كان فهذا التعريف لا يخلو من غموض ونقوض والأولى ان يقال في تعريفها بأنها عبارة عن كون الرجل مباليا بدينه بحيث تبعثه تدينه في العادة على فعل الواجبات وترك المحرمات والتقييد بالعادة للإشارة إلى أن صدور المخالفة أحيانا على خلاف ما يقتضيه عادته وديانته بحيث يكون من
(٦٦٨)