العلم التفصيلي وعدمه فلا يكاد يرجع إلى محصل إذ لا يدعى أحد ان عروض النسيان موجب لارتفاع التكليف الثابت وانما المدعى جريان الأصل بالنسبة إلى ما يشك في كونه مما ثبت فيه التكليف وهو الزائد عن القدر المتيقن فان كون تلك الفوائت التي كانت معلومة لديه في السابق تفصيلا أزيد من العشرين مثلا الذي هو القدر المتيقن غير معلوم كما هو واضح واستدل أيضا لوجوب القضاء حتى يغلب على ظنه الوفاء وعدم جواز الاقتصار على القدر المتيقن تبعا للشيخ في التهذيب بصحيحة عبد الله بن سنان الواردة في قضاء النوافل قال قلت لأبي عبد الله عليه السلام أخبرني من رجل عليه من صلاة النوافل ما لا يدرى ما هو من كثرتها كيف يصنع قال فليصل حتى لا يدرى كم صلى من كثرتها فيكون قد قضى بقدر علمه من ذلك فإنها مشعرة بل ظاهرة بواسطة ما فيها من التعليل في أن ذلك طريق لتدارك ما لا يحصيه من الفوائت فريضة كانت أم نافلة مع أن الاهتمام في النافلة بمراعاة الاحتياط يوجب ذلك في الفريضة بطريق أولى وفيه منع الأولوية فان في قضاء الواجب كلفة والزام بخلاف المندوب فإنه مبنى على التوسعة والترخيص والامر بالاحتياط فيه ارشاد إلى ما هو الأصلح بحاله من غير الزام فهذا لا يدل على أن القضاء في الواجب الذي لم يرد المكلف من قضائه الا التخلص من تبعته لا يتحقق الا بذلك هذا مع ما في دلالتها على المدعى من النظر بل المنع ضرورة ان الاتيان بالصلاة حتى لم يدر كم صلى من كثرتها لا يستلزم القطع بالمساواة ولا الظن بها بل هو محقق للاحتمال الذي لا ينكر أحد وجوبه في الفريضة وقد ظهر بذلك ان تسليم كون الرواية مشعرة أو ظاهرة في كون ذلك طريقا لتدارك الفوائت التي لا تحصى على الاطلاق غير مجد في اثبات المدعى واستدل له أيضا بخبر علي بن جعفر المروى عن قرب الإسناد عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل ينسى ما عليه من النافلة وهو يريد ان يقضى كيف يقضى قال يقضى حتى يرى أنه قد زاد على ما عليه وأتم بدعوى أولوية الفريضة بذلك منها وفيه ما عرفته من المنع وكيف كان فالعمدة ما عرفت من قاعدة الشغل ولا يخفى عليك ان مقتضى هذه القاعدة هو وجوب تحصيل القطع بالفراغ مع الامكان ولكن ظاهر كلمات المشهور الاكتفاء بالظن وهو يحتاج إلى دليل لمخالفته للأصل وربما استدل به بالاجماع المستظهر من كلماتهم وبقاعدة نفى الحرج بدعوى ان الالزام بتحصيل القطع بالفراغ تكليف حرجي وبالمرسل الدائر على ألسنتهم من أن المرء متعبد بظنه وخبر مرازم قال سئل إسماعيل بن جابر أبا عبد الله عليه السلام فقال أصلحك الله ان على نوافل كثيرة فكيف اصنع فقال اقضها فقال إنها أكثر من ذلك قال اقضها قلت لا أحصيها قال توخ وخبر إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الصلاة تجتمع على قال تحر واقضها وفي الجميع ما لا يخفى اما الاجماع فالمحصل منه غير حاصل والمنقول ليس بحجة خصوصا مع اشتهار الخلاف فيه بين المتأخرين وقوة احتمال إرادة كثير ممن عبر بغلبة الظن إرادة الوثوق والاطمينان كما تقدمت الإشارة إليه واما لزوم العسر والحرج فهو في الغالب ممنوع وفي موارد تحققه وجب الاقتصار في رفع اليد عما يقتضيه قاعدة الشغل على ما يندفع به الحرج فلو تيسر تحصيل مرتبة كاملة من الظن لم يجز الاقتصار على ما دونها كما تقرر في محله فضلا عن الاكتفاء بمطلق الظن في سائر الموارد التي لا حرج فيه واما المرسل ففي دلالته مع الغض عن سنده تأمل واما خبر مرازم فمورده النافلة فلا يلزم من الاكتفاء فيها بالظن الاكتفاء به في الفريضة التي لا تحتمل المسامحة مع أن إرادة تحصيل الظن من الامر بالتوخي لا يخلو من تأمل بل الظاهر أن خبر إسماعيل أيضا موردها النافلة مع ما فيها من ضعف السند فالانصاف ان الاكتفاء بالظن لدى التمكن من تحصيل العلم بعد تسليم كون المورد مجرى لقاعدة الشغل في غاية الاشكال المسألة الثالثة من ترك الصلاة مرة مستحلا قتل لان الصلاة مما علم ثبوتها من دين الاسلام ضرورة فيكون انكارها من المسلم ارتداد اما لم يكن عن شبهة كما عرفته في مبحث النجاسات ومن حكم المرتد انه يقتل ان كان ارتداده عن فطرة بان ولد أو انعقد وكان أحد أبويه مسلما على ما يأتي من الوجهين أو القولين في تفسير المرتد الفطري انشاء الله هذا إذا كان ذكرا واما المرأة فلا تقتل بالارتداد بل تستتاب فان تابت والا حبست وضربت أوقات الصلاة حتى تتوب أو تموت كما يأتي تحقيقه انشاء الله والخنثى المشكل كالأنثى في عدم جواز قتلها لأصالة حقن دمه واحتمال كونه كالذكر لاطلاق ما دل على قتل المرتد المقتصر في رفع اليد عنه على ما علم أنوثيته مدفوع بخروج المرأة عن هذا العموم والمرجع في الشبهات المصداقية الأصول العملية لا اصالة العموم أو الاطلاق كما تقرر في محله واستتيب المرتد ان كان ارتداده عن ملة بان كان اسلم عن كفر ولو لتبعية أبويه ثم ارتد فان امتنع قتل فان ادعى الشبهة المحتملة في حقه لقرب عهده بالاسلام أو سكناه في بادية يمكن في حقه عدم علم وجوبها درئ عنه الحد لان الحدود تدرأ بالشبهات بل وكذا لو ادعى النسيان في اخباره عن الاستحلال أو الغفلة أو تأويل الصلاة بالنافلة أو غير ذلك من الدعاوى المخالفة للظاهر فان الاحتمالات المخالفة للأصول والظواهر وان لم تكن معتنى بها من حيث هي ولكن دعويها مع امكان صحتها مسموعة ولذا قد يطالب مدعيها بالبينة فهي في باب الحدود وتوجب الشبهة الدارئة للحد على الأصح وان لم يكن التارك للصلاة مستحلا بل كان للعصيان عزر فان عاد عزر فان عاد ثالثة قتل كما هو الشأن في سائر أصحاب مرتكبي الكبائر وقيل في أصحاب الكبائر انها لا تقتل في الثالثة بل في الرابعة وهذا هو الأحوط للدماء ولكن الأول لا يخلو من قوة ولذا قد يشكل مراعاة الاحتياط في الدماء بالتأخير إلى الرابعة لاستلزامه تعطيل الحد فليتأمل وتمام الكلام في شرح هذا المسائل كلها موكول إلى محلها قد حصل الفراغ من مباحث قضاء الفوائت من الكتاب المسمى بمصباح الفقيه في شهر شوال سنة 1314
(٦٢٢)