اطلاق الجدار ينصرف عن مثله جزما وهكذا الكلام في الشبابيك المانعة عن الاستطراق دون المشاهدة فهي غير مانعة عن جواز الايتمام كما نسب إلى معظم الأصحاب خلافا للمحكى عن الشيخ في الخلاف فمنع عن الاقتداء خلف الشبابيك واستدل له غير واحد بعموم المقاصير في الصحيحة المتقدمة المعتضد بدعوى الاجماع المحكى عن الغنية حيث قال فيم حكى عنه ولا يجوز ان يكون بين الامام والمأمومين ولا بين الصفين ما لا يتخطى مثله من مسافة أو بناء أو نهر بدليل الاجماع الماضي ذكره فان ظاهره إناطة المنع في الحائل أيضا بكونه مما لا يتخطى لا كونه حاجبا وقد يستدل له أيضا بعموم ما لا يتخطى الوارد في الصحيح المزبور كما ربما يؤيده تفريع السترة والجدار عليه فإنه مشعر بإرادة الأعم من لفظ ما لا يتخطى كما في عبارة الغنية المتقدمة وتوهم ان هذا يستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى فإنه على تقدير إرادة الحائط يكون معنى ما لا يتخطى ما لا يمكن المرور عليه ماشيا وعلى تقدير إرادة المسافة معناه عدم صلاحية جعله خطوة أي مسافة يقطعها قدم إذ الخطوة قد تستعمل بمعنى المشي وقد يراد منها البعد الواقع بين القدمين وهما معنيان متغايران لا يصح ارادتهما من عبارة واحدة مدفوع بامكان إرادة الأعم فان ما يمتنع ان يصير خطوة قد يكون لأجل طول المسافة زائدا عما يقطعها قدم وقد يكون بواسطة مانع خارجي من جدار ونحوه فلا امتناع في إرادة القدر المشترك منه ولكنه خلاف الظاهر المتبادر منه انما هو ارادته من حيث المسافة خصوصا في الفقرة الثانية التي وقع فيها التعبير بقدر ما لا يتخطى فإنه كالنص في ذلك فقوله فإن كان بينهم سترة أو جدار ليس تفريعا على سابقه بل هو حكم مستقل مع أنه حكى عن بعض نسخ الوافي بالواو فلا ينبغي الارتياب في عدم ظهور الرواية في العموم بل في خصوص المسافة كما تقدمت الإشارة إليه واما الاجماع المحكى فموهون بمسير المعظم على خلافه بل لم ينقل القول به الا عن الشيخ في الخلاف خلافا لما حكى عن مبسوطه من موافقة المشهور ولكن عبارته المحكية عن المبسوط لا يخلو من مدافعة ولعله لذا ربما نسب إليه في مبسوطه أيضا الخلاف قال في المبسوط على ما حكاه في الحدائق ما هذا لفظه الحائط وما يجرى مجراه مما يمنع من مشاهدة الصفوف يمنع من صحة الصلاة والاقتداء بالامام وكذلك الشبابيك والمقاصير تمنع من الاقتداء بامام الصلاة الا إذا كانت مخرمة لا تمنع من مشاهدة الصفوف انتهى فان الشبابيك كالمقاصير المخرمة غير مانعة من المشاهدة مع أنه جعلها مانعة من صحة الصلاة من هذه الجهة ووجهه غير واحد بحمل الشبابيك على معناه اللغوي وهو ما يعمل بادخال بعضه في بعض من مثل الحصر والبواري مما يمنع من المشاهدة دون ما يتعارف ارادته منها في المحاورات من الأشياء المخرمة فيتجه حينئذ جعل الاستثناء استثناء عن الجميع أقول فمن هنا قد يشك في ارادته في الخلاف أيضا ما يخالف المشهور فان عبارته المحكية عن المبسوط كالنص في كون مراده بالشبابيك ما يمنع من المشاهدة كالحائط فليتأمل ويتوجه على الاستدلال بعموم المقاصير للقول المزبور منع العموم فإنها إشارة إلى المقاصير الموجودة في ذلك الزمان وكونها مشبكة غير معلومة وربما يتوجه الاستدلال بإطلاق المنع عن الصلاة خلف تلك المقاصير فإنه يعم باطلاقه حال جعلها مشبكة مع أن الظاهر أن الإشارة وقعت على جنس المقاصير لا خصوص افرادها الموجودة ولم يكن لجنسها نوع معهود ينصرف إليه الاطلاق لعدم تعارفها سابقا واختراعها في زمن الجبارين فالضمير في قوله لمن خلفها راجع إلى جنس المقاصير المخترعة لا أفرادها الخاصة هكذا قيل وفيه تأمل إذ لو سلم ظهورها في الإشارة إلى الجنس فهي بملاحظة افرادها التي أحدثها الجبارون فلا يتبادر منه الا ما كان من سنخ ما تعارف حدوثها في عصرهم مع أن هذا الكلام سيق تفريعا على مسألة الجدار وقد أشرنا إلى أن المتبادر منه ليس الا أراد الجدار الحائل المانع من المشاهدة فلا عبرة حينئذ بعموم المقاصير أو اطلاقها بعد كونها متفرعة على تلك المسألة كما لا يخفى فالأقوى ما هو المشهور من الصحة لا لاطلاق أدلة الجماعة كي يدعي عدم كونها مسوقة لبيان الاطلاق بالنسبة إلى مثل هذه الجهات بل لأصالة عدم الاشتراط وبرائة الذمة عن التكليف بهذا الشرط كسائر الشرائط التي يشك اعتبارها في صلاة الجماعة نعم على القول بالاحتياط لدى الشك في شرطية شئ للعبادة يتجه المنع فليتأمل ثم إن المتبادر من قوله صلى الله عليه وآله فإن كان بينهم سترة أو جدار إرادة ما يمنع من المشاهدة على الاطلاق بان لا يرى الامام في سائر أحوال الصلاة روية يعتد بها فلو كان الحائل قصيرا لا يمنع من المشاهدة الا في حال الجلوس أو السجود مثلا لم يقدح كما عن كثير من الأصحاب التصريح به بل في الجواهر لا أحد فيه خلافا ولا اشكالا ممن عدى من عرفت بينهم مشيرا بقوله من عرفت إلى ما حكاه في صدر كلامه عن المصابيح من التوقف فيه لصدق السترة والجدار وفيه ما لا يخفى من منع صدق السترة وانصراف اطلاق بينهم جدار عن مثله فلا ينبغي الاستشكال فيه نعم قد لا يكون مشاهدة بعض أعضاء الامام أو جميعه في الجملة مانعا عن صدق اسم بينهما سترة أو جدار كما لو شاهد رأسه حال القيام من أعلى السترة أو شاهدة حال هو به للركوع أو السجود من ثقب في وسطه إذ لا اعتداد بمثل هذه المشاهدة في منع صدق الاسم أو حصول انصراف الاطلاق عنه كما لا يخفى ولا يخفى عليك ان المدار في صحة الايتمام ليس على المشاهدة من حيث هي والا لم يصح مع الظلمة والعمى بل ولا على أن لا يكون هناك جسم خارجي مانع عن مشاهدة المأموم الامام إذ لو كان بحيال وجهه فقط جسم كذلك لا يكون ذلك مانعا عن الايتمام بل على أن لا يكون بين جسديهما حائل يحجب ما ورائه من جدار ونحوه فلو صلى المأموم بحيال باب مثلا والامام بحذائه ولكن منعهما أطراف الباب عن المشاهدة ولو في جميع أحوال الصلاة لا طولية قامتهما عن مقدار مسافة الباب لم يقدح ذلك في صحة صلاته بعد ان لا يصدق عرفا ان بينهما سترة أو جدار على الاطلاق تنبيهات الأول لو كان الحائل بين الامام وبعض المأمومين أو بين بعض الصف اللاحق والصف السابق الا ان من هو خلف الحائل منهم متصل بفائدة ولو بوسائط فقد اختلفت فيه أقوال الأصحاب وتشتتت فيه كلماتهم فعن المحقق البهبهاني في شرح المفاتيح التصريح بعدم كفايته ووجوب مشاهدة الامام
(٦٢٩)