الفصل الرابع في صلاة الخوف والمطاردة صلاة الخوف ثابتة بالكتاب والسنة والاجماع من علمائنا وجمهور علماء الجمهور على ما ادعاه في الحدائق قال الله عز وجل وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة الآية وهى مقصورة في الكم سفرا جماعة وفرادى قولا واحدا وفي الحضر إذا صليت جماعة فان صليت فرادى قيل يقصر كما عن السيد والشيخ في الخلاف وابن الجنيد وابن أبي عقيل وابن البراج وغيرهم بل ربما نسب هذا القول إلى الأكثر بل المشهور وقيل لا كما عن الشيخ في المبسوط وعن الشهيد انه نسبه إلى ظاهر جماعة من الأصحاب وعن المصنف في المعتبر انه نقل عن بعض الأصحاب قولا بأنها انما تقصر في السفر خاصة ولعله لشذوذه وضعف مستنده لم يلتفت إليه في هذا الكتاب وكيف كان فالقول الأول أي القول بكونها مقصورة مطلقا سفرا وحضرا جماعة وفرادى أشبه لما رواه ابن بابويه في الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال قلت له صلاة الخوف وصلاة السفر تقصران جميعا قال نعم وصلاة الخوف أحق ان تقصر من صلاة السفر الذي لا خوف فيه ومقتضى اطلاق النص بل عموم الأحقية المذكورة فيه التي هي بمنزلة التعليل للحكم في لفرق بين الاتيان بها جماعة أو فرادى واستدل له أيضا بقوله تعالى وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا بدعوى ان ليس المراد بالسفر فيها على الظاهر سفر القصر والا لم يكن في التقييد بالخوف فائدة أو يقال إن الشرطين أعني السفر والخوف ان كانا على سبيل الجمع في جواز التقصير وجب الاتمام لو فقد أحدهما التالي باطل بالاجماع فيبطل المقدم وإذا لم يكونا شرطين على سبيل الجمع وجب ان يكونا شرطين على البدل فأيهما حصل وجب القصر وأيضا بقوله تعالى فإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم الآية وهى مطلقة في الاقتصار على الركعتين شاملة باطلاقها الا حضر والسفر و أجيب عن الآية الأولى بان حمل الضرب في الأرض على غير سفر القصر مع أنه عدول عن الظاهر غير نافع فان مجرد الخوف كاف للقصر على قولهم من غير توقف على الضرب في الأرض فالظاهر أن المراد بالضرب هو سفر القصر والشرطية الثانية جارية مجرى الأعم الأغلب في أسفارهم فإنهم كانوا يخافون الأعداء في عامتها بل قد يدعى كون الخوف من العدد لازما عاديا في تلك الأزمنة ومن هنا يظهر ضعف ما قيل ثانيا في تقريب الاستدلال من أن قيام الاجماع على عدم اعتبار الاجتماع كاشف عن أن كلا من الشرطين سبب مستقل لثبوت الجزاء إذا الاجماع انما قام على في رادة التقييد من الشرطية الثانية كما يقتضيه ظاهر اللفظ فهو لا يكشف الا عن انه لا بد ان يكون لذكرها نكتة غير إرادة التقييد لا انها بنفسها سبب تام مستقل لثبوت جزاء اخر مماثل للجزاء المترتب على السبب الأول وكفى نكتة لذلك غلبة ملازمة الخوف للموضوع الذي أنيط به الحكم وشدة مناسبته لان يكون حكمة لذلك ويمكن الخدشة في الجواب بان الغاء الشرطية الثانية بأجرائها مجرى الغالب ليس بأولى من الغاء الأولى وحملها على كونها مسوقة لبيان تحقق الموضوع حيث إن الغالب عدم حصول الخوف الموجب لقصر الصلاة ما داموا مستقرين في أوطانهم فالآية بحسب الظاهر مسوقة لبيان مشروعية التقصير لدى الخوف من العدو الذي لا يتحقق في الغالب الا لدى الضرب في الأرض كما يؤيد ذلك بل يشهد له الآية الثانية المعلوم كونها مسوقة لبيان كيفية صلاة الخوف مع أنه ليس فيها تعرض لذكر الخوف وانما فهم ذلك من ارجاع الضمير إلى المذكورين في الآية الأولى فيكشف ذلك عن أن المفروض موضوعا للحكم بشرعية القصر في الآية الأولى هم الخائفون من العدو وان ذكر قوله تعالى في تلك الآية ان خفتم ليس من باب الجرى على العادة بل لمدخلية في الحكم كما يقتضيه ظاهر اللفظ وقضية ذلك اما الغاء الشرطية الأولى وتنزيلها على الجرى مجرى العادة أو جعل كل منهما سببا مستقلا والا للزم اعتبار كليهما في مشروعية القصر وهو مخالف للاجماع وغيره من الأدلة فالانصاف امكان استفادة المدعى من مجموع الآيتين بهذا التقريب والا فكل واحدة منهما بنفسها غير ناهضة بذلك كما لا يخفى ثم إن المتبادر هن اطلاق الفتاوى والنصوص وكذا المنساق من تعليق القصر على الخوف في الآية الشريفة انما هو مشروعية التقصير في المواضع التي يناسبها الخوف بان كان مقتضيا لتخفيف الصلاة فلا يكفي فيه مجرد كونه في محل الخوف من غير أن يكون خوفه مقتضيا للتخفيف كما لو التجأ إلى البقاء في مسبعة أو مسيل أو منزل ينزل فيه الأعداء ولم يكن يتفاوت الحال ما دام كونه في ذلك المكان بين اشتغاله بالصلاة وعدمه من حيث التحرز عما يخاف منه خلافا لما قد يترائى من كلمات بعضهم من كون الخوف كالسفر حكمة لوجوب القصر فيجب عليه في مثل الفرض التقصير تعبدا وهو بعيد لانتفاء ما يدل عليه وتوهم كونه من مقتضيات اطلاق الفتاوى والنصوص مدفوع بما تقدمت الإشارة إليه من انصرافها عن مثله والله العالم ثم إن المراد بالقصر هيهنا هو الذي يراد منه في حق المسافر من الاقتصار في الرباعيات على ركعتين دون ما عداها من الثنائية والثلاثية كما ينبئ عن ذلك الاخبار الآتية الواردة في كيفية الاتيان بها جماعة بل في الصحيحة المزبورة أيضا ايماء إليه ولكن في المدارك بعد ان صرح بما ذكرناه في تفسير القصر قال وقال ابن بابويه في كناية سمعت شيخنا محمد بن الحسن يقول رويت انه سئل الصادق ع عن قول الله عز وجل وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا فقال هذا تقصير كان وهو ان يرد الرجل الركعتين إلى الركعة وقد روى ذلك الشيخ في الصحيح عن حريز عن أبي عبد الله ع في قول الله عز وجل ليس عليكم جناح ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا قال في الركعتين ينقص منهما واحدة ونقل عن ابن الجنيد أنه قال بهذا المذهب وهو نادر والرواية وان كانت صحيحة لكنها معارضة بأشهر منها ويمكن حملها على التقية أو على أن كل طائفة انما يصلى مع الامام ركعة فكأن صلاتهما ردت إليها انتهى أقول وعبادة ابن الجنيد التي استظهر منها هذا القول على ما حكاها في الحدائق وغيره صورتها فان كانت الحالة الثانية وهى مضافة الحرب والمواقفة والتعيية والتهيأ للمناوشة من غير بداية صلى الامام بالفرقة الأولى ركعة وسجد سجدتين ثم انصرفوا وسلم القوم بعضهم على بعض في مصافهم وقد روى عن أبي جعفر محمد بن علي ع ان رسول الله ص صلى كذلك بعسفان وروى ذلك أيضا حذيفة بن اليمان وجابر وابن عباس وغيرهم وقال بعض الرواة وكانت لرسول الله ص ركعتان ولكل طائفة ركعة ركعة انتهى وربما يؤيده أيضا ما رواه في الوسائل عن العياشي في تفسيره عن إبراهيم بن عمر عن أبي عبد الله ع قال فرض الله على المقيم أربع ركعات وفرض على المسافر ركعتين تمام وفرض على الخائف ركعة وهو قول الله عز وجل لا جناح عليكم ان تقصروا من الصلاة ان خفتم ان يفتنكم الذين كفروا يقول من الركعتين فيصير ركعة وعن الذخيرة بعد ذكر هذا القول
(٧١٢)