ربما يطلق الشهر ويراد منه عدد الأيام التي يتم بها الشهر من غير أن يكون لعنوان الشهرية من حيث هو مدخلية في الحكم فيراد منه ح ثلاثون يوما لأنه هو عدد أيام الشهر الذي ليس بناقص فهما معنيان مشاينان يصح إرادة كل منهما من اطلاق مثل قوله اجرتك هذه الدار إلى ستة اشهر في أي وقت يكون سواء كان في أول شهر أو وسطه وليس بين المعنيين قدر مشترك صالح لان يكون لفظ الشهر موضوعا بإزائه كالسنة الشمسية والقمرية فدعوى كونه مشتركا معنويا كي يتوجه به القول المزبور ضعيفة جدا بل هو اما من قبل الحقيقة والمجاز كما هو الظاهر أو مشترك لفظي فلا يصح ارادتهما من عبارة واحدة وقد علم إرادة هذا المعنى أي خصوص الثلثين بالنسبة إلى ما عدى أول الشهر بواسطة الاجماع المتقدم إليه الإشارة فكذا بالنسبة إلى أول الشهر لعدم جواز التفكيك هذا مع قطع النظر عن الحسنة والا فهي نص في اعتبار العدد فهي رافعة لما في لفظ الشهر من الاجمال ان قلنا فيه بالاشتراك والا فقرينة المجاز مع ما في نفس تلك الأخبار التي وقع فيها التعبير بالشهر من الاشعار بملحوظية عدد الأيام في هذا الباب المناسب لإرادة الثلثين لا عنوان الشهر من حيث هو كائنا ما كان فليتأمل ثم لا يخفى عليك ان ما هو المفروض موضوعا لهذا الحكم أي انقطاع حكم السفر بالتردد ثلثين يوما في الفتاوى والنصوص الدالة عليه هو بعينه المورد الذي لولا تردده بل كان جازما بالبقاء لكان عليه الاتمام فيعتبر في محل التردد أيضا كموضع الإقامة الاتحاد فلا يكفي بقائه ثلثين يوما مترددا في بلدين مثلا ولا في حال تلبسه بالسير من غير إقامة وان طالت مدته ولا فرق في محل التردد بين كونه بلدا أو قرية ونحوهما وبين كونه مفازة كما عرفته في موضع الإقامة ولو نوى الإقامة ثم بدا له فعدل عن قصده قبل ان يصلى فريضة تماما رجع إلى التقصير بلا خلاف فيه في الجملة على الظاهر بل اجماعا كما ادعاه غير واحد اقتصارا في الخروج عما يقتضيه اطلاق أدلته على مقدار دلالة الدليل وهو صورة تلبسه بنية الإقامة فان هذا هو المنساق من مثل قوله إذا دخلت أرضا وأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام وقوله إذا قدمت أرضا وأنت تريد ان تقيم بها عشرة أيام فصم وأتم الخ وغير ذلك من الروايات الدالة على انقطاع حكم السفر بنية الإقامة إذ المتبادر من جميع هذه الروايات ليس الا إرادة بيان وجوب الاتمام والصيام على المسافر حال كونه ناويا للإقامة في مكان ولا أقل من عدم ظهور شئ منها في الاطلاق بحيث يتناول مثل المقام ولو سلم وجود طلق كذلك لكان الصحيحة الآتية حاكمة عليه ولو صلى صلاة واحدة بنية الاتمام لم يرجع بلا خلاف فيه أيضا على الظاهر بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه ويدل عليه وعلى سابقه أيضا مضافا إلى ما عرفت صحيحة أبى ولاد الحناط قال قلت لأبي عبد الله ع انى كنت نويت حين دخلت المدينة ان أقيم بها عشرة أيام فأتم الصلاة ثم بدأ لي بعدان لا أقيم بها فما ترى لي أتم أم اقصر فقال إن كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة بتمام فليس لك ان تقصر حتى تخرج منها وان كنت حين دخلتها على نيتك المقام ولم تصل فيها صلاة فريضة بتمام حتى بدأ لك ان لا تقيم فأنت في تلك الحال بالخيار ان شئت فانو المقام عشرا وأتم وان لم تنو المقام عشرا فقصره ما بينك وبين شهر فإذا مضى لك شهر فأتم الصلاة ولا يعارضها خبر حمزة بن عبد الله الجعفري قال لما نفرت من منى نويت المقام بمكة فأتممت الصلاة ثم جائني خبر من المنزل فلم أجد بدا من المصير إلى المنزل ولم أدر أتم أم اقصر وأبو الحسن ع يومئذ بمكة فاتيته وقصصت عليه القصة فقال ارجع إلى التقصير لعدم نهوضه للحجية بعد اعراض الأصحاب عن ظاهره فضلا عن صلاحيته للمكافئة للصحيحة المعمول بها لدى الأصحاب فالأولى رد علمه إلى أهله وقد وجهه في الحدائق بان المراد من الجواب انما هو الامر بالتقصير بعد السفر والخروج فهو كناية عن الامر بالسفر بمعنى سافر ونصر إذ الظاهر أن مراد السائل انما هو الاستفهام عمن نوى الإقامة هل يجوز له ابطالها والخروج والقصر فيه أم لا بد من الاتمام ولو في الطريق إلى أن يتم أيام الإقامة كما يتوهمه كثير ممن لم يقف على حكم المسألة ينتهى وهو محمل حسن لا بأس بإبداء احتماله في مقام التوجيه تفاديا عن الطرح والا فهو مخالف للظاهر ولا شاهد على ارادته من اللفظ كما لا يخفى ولا يكفي فعل نافلة الحضر ولا التلبس بالصوم الواجب وغير ذلك من الافعال المشروط صحتها بالإقامة في بقاء اثر النية لاختصاص النص بما إذا صلى صلاة فريضة بتمام والتعدي عنه يحتاج إلى دليل وهو مفقود ودعوى ورود الصلاة التامة في النص مورد التمثيل فهي كناية عن مطلق التلبس بما يشترط بالإقامة عرية عن الشاهد عدى انه قد يلوح من كلماتهم التسالم على أنه انما رتب الشارع احكام الحاضر على ناوي الإقامة باعتبار كون الإقامة لديه كالمرور بالوطن قاطعة للسفر فإذا تحقق شئ من تلك الآثار وأمضاه الشارع كشف ذلك عن صحة اقامته وانقطاع سفره بنيتها المستلزم لاحتياج العود إلى التقصير إلى قطع مسافة جديدة فلا يعقل ح التفكيك بين اثارها فإذا صلى نافلة الظهر مثلا ثم عدل عن قصده نقول اما ان نحكم بعد العدول بصحة تلك النافلة الصادرة منه حال كونه ناويا للإقامة أو ببطلانها لا سبيل إلى الثاني لأنها حال صدورها كانت مأمورا بها والامر يقتضى الاجزاء وحمل الامر المتعلق بها على كونه امرا ظاهريا مراعى بعدم عدوله عن قصده خلاف الطاهر فإذا صحت النافلة لزمها كون المكلف حال اشتغاله بأداء النافلة خارجا عن موضوع المسافر والا يلزمه عدم كون النافلة مشروعة له لأنها غير مشروعة للمسافر الا في مواضع ليس هذا منها فإذا لم يكن في ذلك الوقت مسافرا شرعا لا يؤثر رجوعه عن قصده في صيرورته مسافرا كي يلحقه احكامه ضرورة عدم كون العدول عن قصد الإقامة سفرا فيبقى على ما هو عليه من وجوب الاتمام والصيام حتى يستأنف سفرا جديدا ان قلت مقتضى هذا الدليل انقطاع السفر بمجرد العزم على إقامة العشرة لأنه سبب لصيرورته مكلفا بالاتمام والصيام وفعل النوافل والمفروض انه لا يتوجه عليه الخطاب بشئ من ذلك الا على تقدير انقطاع سفره مع انا لا نقول به قلت لو خلينا وهذه الأدلة الامرة بالاتمام بمجرد العزم على مقام عشرة أيام لا التزمنا بذلك ولكن منعنا عن ذلك صحيحة أبى ولاد الدالة على أنه ان رجع عن قصده قبل ان يصلى فريضته بتمام عاد إلى التقصير فإنها تكشف عن أن تنجز هذه الأوامر في حقه مراع في الواقع بعدم رجوعه عن قصده قبل ان يصلى صلاة تامة ولكن حيث يمكن ان يكون تخصيص الصلاة التامة بالذكر جاريا مجرى الغالب أو لوقوع التعرض لذكرها في السؤال لا لإرادتها بالخصوص فلا يكاد يفهم منه أزيد من اعتبار الاتيان بشئ مما يشترط بالإقامة من الفريضة التامة ونحوها في ذلك وقد بالغ الشهيد الثاني في الروض في تشييد هذا الدليل والتعويل عليه في جل الفروع المتفرعة عليه حتى أنه استدل على الحاق الصوم الواجب لو رجع عن نيته بعد الزوال بالفريضة التامة بالروايات الدالة على أن من سافر في شهر رمضان بعد الزوال وجب عليه اكمال الصوم كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام انه سال عن الرجل يخرج من بيته وهو يريد السفر وهو صائم قال إن خرج قبل ان ينتصف النهار فليفطر وان خرج بعد الزوال فليتم يومه وصحيحة محمد بن مسلم عنه ع إذا سافر الرجل في شهر رمضان فخرج بعد نصف النهار عليه صيام ذلك اليوم بدعوى شمول مثل هذه الأخبار باطلاقها أو عمومها لمثل هذا الصائم لو سافر بعد الزوال ومقتضاه انعقاد صومه صحيحا وعدم طرو البطلان عليه بالعدول عن قصده ولازمه عدم بطلان اقامته أيضا بذلك والا يلزمه وقوع الصوم الواجب بلا نية الإقامة يعنى بلا نية صحيحة قاطعة للسفر وهو مخالف للاجماع ولا يخفى عليك
(٧٥٧)