شيئا في الأخيرتين فان النهى في هذه الفقرة للكراهة جزما كما ستعرف ووحدة السياق يشهد بإرادة معنى واحد من النهى في كلتا الفقرتين وحيث ما دلت الصحيحة على الكراهة لا يصلح لمعارضتها سائر الروايات الدالة بظاهرها على الحرمة لكون الصحيحة بمنزلة المفسر للنهي الوارد في تلك الأخبار لاشتمالها على بيان مناط النهى وان علته هو هذا الامر الغير المقتضى الا الكراهة ودعوى ان التعليل الواقع في الصحيحة من قبيل بيان المناسبات والحكم المقتضية للحكم لا العلة الحقيقة المنصحرة كي يجرى على منوالها مما لا ينبغي الاصغاء إليها بعد مخالفتها لظاهر النص ان قلت تبعية النهى عن القراءة للامر بالانصات في كونه الزاميا أو غير الزامي انا يتجه لو كان الاستدلال الواقع في الآية من باب اقتضاء الامر بالشئ النهي عن ضده وهو غير معلوم كيف وقد منعنا في محله الاقتضاء فلا بد حينئذ اما من حمل التعليل على كونه من باب اقتضاء الامر بشئ في لامر بضده المستلزم لكون فعله بقصد التعبد تشريعا محرما فلا يتفاوت الحال حينئذ بين كون الامر ندبيا أو وجوبيا أو الالتزام بكونه من العلل التعبدية التي لا نعقل وجهها فلا يصح حينئذ أيضا رفع اليد عن ظاهر النهى بعد ان لم نتعقل مناطه قلت ظاهر التعليل كونه تعليلا لنفس النهى لا لعلته وليس حال القراءة بالنسبة إلى الانصات حال سائر الأضداد الخاصة التي نمنع دلالة الامر به على النهى عنها عرفا أو عقلا بل ترك التكلم الذي هو أعم من القراءة مأخوذ في مفهوم الانصات فان الانصات كما صرح به غير واحد ويتبادر منه عرفا هو السكوت مع الاستماع أي توجيه الذهن نحو كلام الغير ليسمعه بل المتبادر عفا من الامر بالاستماع أيضا إرادة هذا المعنى فيكون العطف حينئذ للتأكيد كما صرح به بعض فترك التكلم الذي هو عبارة أخرى عن السكوت مأخوذ في مفهوم المأمور به كما ربما يؤيده أيضا ما نقل في شأن نزول الآية من أن المسلمين كانوا يتكلمون في أثناء الصلاة حتى نزلت الآية ومما يؤيده أيضا صحيحة ابن الحجاج وغيرها من الروايات التي وقع فيها الامر بالانصات جوابا عن السؤال عن القراءة خلف الإمام مع أن المقصود بها على ما يشهد به سوقها النهى عن القراءة لا مجرد الامر بالاستماع الغير المنافى للقرائة سرا كما لا يخفى على من تدبرها بل الصحيحة المزبورة كالنص في ذلك فلو لم يكن الامر بالسكوت مفهوما من الامر بالانصات لم يكن يحسن الاقتصار عليه في تلك الأخبار واما ما يترائى من صحيحة زرارة أو حسنة عن أحدهما عليه السلام من عدم التنافي بين الانصات والتكلم سرا حيث قال عليه السلام إذا كنت خلف امام تأتم به فانصت وسبح في نفسك فلا بد من توجيهه بما لا ينافي ما عرفت اما بحمله على إرادة ما كان مثل حديث النفس الذي لا ينافيه صدق اسم السكوت والاستماع وان لا يخلو من بعد أو حمله على إرادة بيان ما هو وظيفة المأموم حال كونه مأموما لا خصوص ما هو تكليفه حال قراءة الإمام في خصوص الجهرية فأريد بالرواية الامر بالانصات فيما من شأنه ان ينصت للامام أي حال قرائته في الأولتين من الجهرية والتسبيح سرا فيما عداه مما كان وظيفته فيه التسبيح وهو الأخيرتان من كل صلاة والأوليان من الاخفاتية فليتأمل وقد تلخص مما ذكر ان المتجه بناء على كون الامر بالانصات في الآية الشريفة استحبابيا هو الالتزام بكراهة القراءة دون الحرمة فالشأن انما هو في اثبات ذلك أي كون الامر بالانصات استحبابيا فأقول ربما استدل لذلك بالاجماع والسيرة والروايات الدالة على جواز القراءة خلف الإمام الغير المرضى سمعت قرائته أم لم تسمع وفيه ان القدر المتيقن من معقد الاجماع والسيرة وكذا مورد الروايات التي يستفاد منها جواز ترك الانصات انما هو ما عدى محل الكلام أي المصلى خلف امام مرضى وقد شهدت الصحيحة المتقدمة بظاهرها على أن الآية وردت في هذا المورد فمطلوبية الانصات في سائر الموارد على هذا التقدير مستفادة من السنة فلا منافاة بين كونه مستحبا في غير حال الصلاة وواجبا في حالها واما ما يظهر عن بعض من دعوى الاجماع والسيرة على نفى لزومه في خصوص الصلاة فلا يخلو من تأمل إذ الاجماع لم يتحقق خصوصا بعد نقل الخلاف من ابن حمزة بل ربما يظهر ذلك من كل من استدل للحرمة بالآية والروايات التي ورد فيها الامر بالانصات واستكشاف رضاء المعصوم من مثل هذه السيرة على تقدير تحققها لا يخلو من اشكال ويمكن الاستدلال بها بما عن الصدوق عن ابن المعزا حميد بن المثنى قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فسئله حفص الكلبي فقال أكون خلف الامام وهو يجهر بالقراءة فأدعو وأتعوذ قال نعم فادع والمتبادر من الامر في مثل المقام أراد الرخصة الغير المنافية لا فضلية الانصات فهو كاشف عن أن الامر بالانصات للاستحباب وما قيل في توجيه الرواية من حملها على صورة عدم سماع صوت الامام جمعا بين الاخبار ففيه ما لا يخفى من البعد إذ لو لم نقل بان المنساق من السؤال انما هو ارادته في صورة سماع صوته بالخصوص فلا أقل من شموله له فاطلاق الجواب من غير استفصال مع كون صورة السماع من أوضح ما وقع عنه السؤال يجعله كالنص في ذلك كما لا يخفى وابعد منه حملها على إرادة مثل حديث النفس الغير المنافى لصدق السكوت ويتلوه في البعد جعلها قرينة على أن المراد بالانصات المأمور به هو مجرد الاستماع الغير المنافى للتكلم سرا كيف والا لم يتجه الاستدلال به في الأخبار المستفيضة لترك القراءة مع أن صرف اطلاق الدعاء إلى خصوص ما جرى على اللسان على وجه لا يشغل الفكر عن أن يتوجه نحو كلام الغير لا يخلو أيضا من بعد ومن هنا يظهر انه لا يصح جعلها كاشفة عن أن المراد بالانصات المأمور به هو السكوت في مقابل القراءة لا مطلق ترك التكلم فيكون المراد به ترك القراءة والاصغاء لقرائة الامام لان منافاة الدعاء للانصات ليس لمحض كونه تكلما بل هو كالقراءة في الغالب مانع عن حصول الاستماع أيضا نعم يمكن الجمع بينهما بجعل الرواية مخصصة لاطلاق الامر بالانصات بان يقال يجب عليه الانصات الا ان يتعوذ أو يدعو ولكن الأوجه حينئذ الاقتصار على الدعاء بما يناسب في الموارد المناسبة له بان يسأل الله عند مرور الامام باية فيها مسألة أو تخويف خير ما يرجوا من امر اخرته ودنياه ويسأل العافية من النار والعذاب لامكان دعوى انصراف السؤال إلى إرادة هذا النحو من الدعاء الذي هو من آداب قراءة القرآن لا مطلقه كما يدل أيضا على جواز ذلك للمأموم مضافا إلى ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون مع الامام فيمر بالمسألة أو باية فيها ذكر جنة أو نار قال
(٦٤٠)