لا بأس ان يسأل عند ذلك ويتعوذ من النار ويسئل الله الجنة ولكن جعل الصحيحة أيضا كالخبر السابق شاهدة على كون الامر بالانصات استحبابيا خصوصا بعد اعتضاده بالشهرة ونقل الاجماع وثبوت كونه كذلك في غير حال الصلاة وشهادة سوق الصحيحة بكون النهى عن القراءة في الأوليين المستفادة من الامر بالانصات على حد النهى المتعلق بالقراءة في الأخيرتين المعلوم كونه للكراهة لعله أولى وان كان ارتكاب التخصيص فيما دل على وجوب الانصات بالنسبة إلى حال التلبس بالدعاء الذي دعاه إلى فعله الانصات والتدبر فيما سمعه من القران أيضا من أهون التصرفات فالانصاف ان المسألة لا تخلو من اشكال فترك القراءة بل مطلق التكلم بغير ما شهدت الصحيحة المزبورة على جوازه والاصغاء إلى ما يقوله الامام ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط واستدل أيضا لعدم حرمة القراءة بقوله عليه السلام في موثقة سماعة المتقدمة إذا سمع صوته فهو يجزيه وإذا لم يسمع صوته قرء لنفسه فان لفظ يجزيه مشعر بالجواز وفيه ان هذا الكلام وقع جوابا عن السؤال عن أن الرجل يأم بالناس فيسمعون صوته ولا يفقهون ما يقول فالظاهر أن المراد بالجواب ان سماع الصوت يجزيه في الاكتفاء به عن القراءة وان لم يفقه ما يقول واما ان الاكتفاء رخصة أم عزيمة فلا يكاد يستفاد من ذلك مع أنه لا يعتنى بمثل هذا الاشعار في صرف الأخبار الناهية عن ظواهرها الا ان يدعى اعتضاده بغيره من المناسبات التي تقدمت الإشارة إليها فليتأمل واضعف منه الاستدلال له بالروايات الناهية عن القراءة خلف الإمام الشاملة باطلاقها للاخفاتية التي قد عرفت ان الأظهر فيها الكراهة بدعوى انه يلزم من حملها على الحرمة في الجهرية والكراهة في الاخفاتية استعمال اللفظ في معنيين فيجب حملها اما على القدر المشترك أو خصوص الكراهة والثاني أشيع فهو أولى وفيه ما أشرنا إليه مرارا وحققناه في مبحث لباس المصلي في توجيه موثقة ابن بكير الناهية عن الصلاة في اجزاء ما لا يؤكل لحمه من أن ثبوت الرخصة في مخالفة النهى بدليل منفصل بالنسبة إلى بعض موارده الموجب لحمل النهى بالنسبة إلى تلك الموارد على الكراهة لا يقتضى رفع اليد عن ظاهره بالنسبة إلى سائر الموارد فضلا عن صيرورته قرينة لصرف سائر الروايات الواردة في خصوص الجهرية عن ظواهرها مع أن ترجيح الحمل على الكراهة على الحمل على القدر المشترك ان سلم فهو فيما لم يستلزم ذلك مخالفة أصل اخر كما في القيام حيث يلزم من حملها على الكراهة ارتكاب التجوز في سائر الأخبار الواردة في خصوص الجهرية مما ظاهره الحرمة فمقتضى الأصل ابقاء تلك الروايات على ظاهرها و جعلها شاهدة لإرادة القدر المشترك من هذه الأخبار لا خصوص الكراهة هذا كله مع أنه ليس للأخبار الناهية على الاطلاق ظهور يعتد به في المنع لورودها في مقام توهم الوجوب فهي بذاتها غير منافية للحرمة ولا للكراهة فليتأمل ثم انا ان قلنا بحرمة القراءة فهل تبطل بها الصلاة أم لا وجهان مبنيان على أن الكلام المحرم مبطل للصلاة مطلقا وان كان قرانا أو دعاء أم لا وقد تقدم تحقيقه في مبحث القراءة وعرفت فيما تقدم ان الأخير لا يخلو من قوة بل وكذا لو قلنا بوجوب الانصات فالظاهر عدم بطلان الصلاة بالاخلال به إذ الظاهر كونه واجبا نفسيا في الصلاة لا شرطيا كما يشعر بذلك الآية الدالة عليه مع موافقة للأصل ثم إن حرمة القراءة أو كراهتها انما هي فيما إذا سمع صوت الامام وقد عرفت فيما تقدم ان المراد بسماع الصوت أعم من الهمهمة واما ان لم يسمع أصلا فلا ينبغي الاستشكال في جوازها بل عن الرياض انه أطبق الكل على الجواز لورود الامر بها في جملة من الروايات المتقدمة فما عن ظاهر بعض من عدم الجواز اغترارا بعموم بعض الأخبار الناهية عن القراءة خلف الإمام المرضى وانه ضامن للقرائة ضعيف جدا ضرورة عدم صلاحية العمومات لمعارضة النصوص الواردة بصيغة الامر التي أقلها الحمل على الرخصة دفعا لتوهم المنع الناشئ من العمومات وهل هي على سبيل الاستحباب كما عن المشهور أو الوجوب كما عن ظاهر جماعة أم على الإباحة كما عن ظاهر القاضي وجوه أوجههما الأول لأنه هو الذي يقتضيه الجمع بين الروايات المشتملة على الامر بالقراءة وبين صحيحة علي بن يقطين قال سألت أبا الحسن الأول عليه السلام عن الرجل يصلى خلف امام يقتدى به في صلاة يجهر فيها بالقراءة فلا يسمع القراءة قال لا بأس له ان صمت وان قرء ويمكن الخدشة فيه بان الصحيحة المزبورة ظاهرها الإباحة والامر بالقراءة الوارد في الروايات المشار إليها لوقوعه عقيب الحظر لا يفهم منه أزيد من الرخصة فلا يصلح قرينة لصرف هذه الصحيحة عن ظاهرها فيتجه حينئذ القول المحكى عن القاضي ويدفعه عدم كون الامر في جميع تلك الأخبار مسبوقا بالنهي عن القراءة حتى يتطرق إليه هذه المناقشة فان منها موثقة سماعة التي وقع فيها قوله عليه السلام إذا سمع صوته فهو يجزيه وإذا لم يسمع صوته قرء لنفسه وهذا كما تراه ظاهر في وجوب القراءة عليه مع في لسماع بل وكذا صحيحة عبد الرحمن فإنه لم يرد فيها التصريح بالنهي وانما فهم ذلك من الامر بالانصات والمنساق إلى الذهن من قوله في تلك الصحيحة واما الصلاة التي يجهر فيها إلى آخره كونه مسوقا لبيان ما هو وظيفته في الجهرية وان تكليفه مع سماع صوت الامام الانصات ومع عدمه القراءة وظاهره كظاهر الموثقة الوجوب ولكن يتعين صرفه عن هذا الظاهر بالحمل على الاستحباب بشهادة الصحيحة السابقة التي هي نص في جواز الترك فالقول بالوجوب أيضا كالقول بالإباحة ضعيف ويتلوه في الضعف القول بوجوب القراءة فيما لا يسمع أصلا ووجوب الترك فيما لو سمع قراءة الإمام بحيث يفقه ما يقول والتخيير فيما لو سمع الهمهمة بدعوى ان ظاهر قوله عليه السلام في صحيحة علي بن يقطين فلا يسمع القراءة عدم سماع الكلمات والحروف فهو يعم صورة سماع الهمهمة والروايات الامرة بالقراءة لدى في لسماع مخصوصة بما إذا لم يسمع أصلا كما في بعضها التصريح بذلك فمقتضى الجمع بينهما ارتكاب التخصيص في الصحيحة بحملها على صورة سماع الهمهمة
(٦٤١)