لدى التحليل ينشأ من ترك ايكاله إلى الامام لا مباشرته بنفسه لأداء التكليف والا امتنع وقوعه عبادة وقد ظهر مما ذكرنا انه لولا هذه الرواية المشتملة على كلمة لا ينبغي والرواية الوارد فيها انه بعث على غير الفطرة لاشكل استفادة الكراهة أيضا بالنسبة إلى الصلاة الاخفاتية فضلا عن الحرمة فعمدة ما يصح الاستشهاد به للحرمة انما هو الخبر الحاكي لقول الأمير عليه السلام انه بعث على غير الفطرة وهذه الرواية أيضا غير أبيه عن الحمل على الكراهة بل قد يدعى ان وقوع هذا اللعن أو هذا النوع من التهديدات في عرف أهل البيت عليهم السلام من امارات الكراهة وهو ليس بالبعيد ويحتمل ان يكون المراد بالرواية القراءة بقصد التعيين واللزوم كما حكى عن جماعة من العامة فلا يبعد حينئذ ان يكون الموصول إشارة إلى نفس هؤلاء الذين لا شبهة في أنهم يبعثون على غير الفطرة وكيف كان فليس ظهور هذه الرواية في الحرمة أقوى من ظهور لا ينبغي الوارد في خبر سليمان في الكراهة فضلا عن معارضته لخبر المرافقي الذي هو نص في الجواز فالقول بالكراهة كما هو المشهور أقوى ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط بالترك مع أنه أولى ثم انا قد أشرنا إلى أن العبادة (من حيث هي) يمتنع كونها مكروهة ولكن قد يلحقها ذلك بالعوارض المكتنفة بها ففي المقام يمكن ان يكون وجهها كون ترك الوكول إلى الامام الذي هو من الجهات الملازمة له مرجوحة شرعا لما فيه من المهانة والاستحقار وعدم الاعتماد على قراءة الإمام أو غير ذلك من الجهات المختفية علينا فيكون حالها حال الوضوء بالماء المسخن بالشمس وغير ذلك من العبادات التي تصادق عليه عنوان مكروه وقد تقدم توجيه هذا القسم من العبادات ودفع ما يتوجه عليه من الاشكال في المسألة المشار إليها من كتاب الطهارة ويمكن ان يكون بملاحظة ان الوكول إلى الامام أفضل فاطلاق الكراهة عليها حينئذ باعتبار كونها مرجوحة بالإضافة إلى الوكول وكونها أقل ثوابا منه ولكن الكراهة بهذا المعنى ليست كراهة حقيقية ولا يناسبها التهديد فلا يصح ان يوجه الرواية المزبورة بالحمل على الكراهة بهذا المعنى فمن يرى توجيه العبادات المكروهة منحصرا بهذا الوجه ثم يجيب عن الاستدلال بهذه الرواية بالحرمة بحملها على الكراهة قياسا على الأخبار الكثيرة الواردة في المكروهات المشتملة على اللعن والتوعيد بالعقوبة يتوجه عليه انه قياس مع الفارق فليتأمل ثم إن المراد بالقراءة التي تعلق النهي بها في الاخبار المزبورة هي القراءة المعهودة المأتى بها بقصد الجزئية كما تقدمت الإشارة إليه فلو قرء لا بهذا القصد بل بقصد القربة أو الذكر والدعاء فلا ينبغي الاستشكال في جوازه كما أنه يجوز بل يستحب له التسبيح وسائر الأذكار والأدعية بل يكره له السكوت كما يدل عليه صحيحة الأزدي عن أبي عبد الله عليه السلام قال إني اكره للمؤمن ان يصلى خلف الامام في صلاة لا يجهر فيها بالقراءة فيقوم كأنه حمار قال قلت جعلت فداك يضع ماذا قال يسبح والظاهر أن ذكر التسبيح جار مجرى التمثيل أو باعتبار كونه أفضل افراد الذكر كما يؤيد مضافا إلى مناسبة لصدر الخبر خبر علي بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال سألته عن الرجل يكون خلف الامام يقتدى به في الظهر أو العصر قرء خلفه قال لا ولكن يسبح ويحمد ربه ويصلى على نبيه وخبر أبي خديجة عن أبي عد الله عليه السلام قال إذا كنت امام قوم فعليك ان تقرء في الركعتين الأوليين وعلى الذين خلفك ان يقولوا سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر وهم قيام فإذا كان في الركعتين الأخيرتين فعلى الذين خلفك ان يقرؤا فاتحة الكتاب وعلى الامام ان يسبح مثل ما يسبح القوم في الركعتين الأخيرتين وقد تقدم توجيه ذيل الرواية في مبحث القراءة وسيأتي التنبيه عليه أيضا عند التكلم في حكم الأخيرتين واما حكم القراءة في الأوليين من الجهرية فهو ان المأموم اما ان يسمع قراءة الإمام أو لا يسمع فان سمعها فلا خلاف نصا وفتوى على الظاهر في مرجوحية القراءة للمأموم وانما الخلاف في حرمتها أو كراهتها له والأشهر على ما نسبه إليهم في محكى الدروس القول بالكراهة وعن ظاهر جماعة من القدماء كصريح غير واحد من المتأخرين الحرمة وربما التزم بالحرمة في هذه المسألة بعض من لا يقول بها في المسألة السابقة أي الأوليين من الاخفاتية لسلامة أدلة التحريم بالنسبة إلى الجهرية عن المعارض فان عمدة ما عارضها في تلك المسألة هي رواية المرافقي وهى بالنسبة إلى الجهرية كالنص في التحريم فان قوله وان أحببت ان تقرء فاقرأ فيما يخافت فيه بناء على أن المراد به مجرد الاذن الغير المنافى للكراهة كالصريح في انتفائه في الجهرية مضافا إلى ظهور قوله عليه السلام في ذيل الرواية فإذا جهر فانصت الحديث وكذا غيره من الروايات المتقدمة المشتملة على الامر بالانصات في ذلك خصوصا صحيحة زرارة التي وقع فيها التصريح بالنهي عن القراءة بصيغة التأكيد ولكن هذه الروايات مشعرة بل بعضها ظاهرة في أن مناط النهى عن القراءة كونها منافية للاستماع والانصات المأموم بهما في الآية الشريفة بحيث لولاها لكانت القراءة مطلوبة كقوله عليه السلام في صحيحة الحلبي المتقدمة واما الصلاة التي يجهر فيها فإنما امر بالجهر لينصت من خلفه فان سمعت فانصت وان لم تسمع فاقرأ وكذا التعليل الواقع في صحيحة زرارة للنهي عن القراءة بقوله تعالي وإذا قرأ القران فاستمعوا له وانصتوا وقضية العلة المنصوصة عدم اختصاص القراءة المنهى عنها بما لو اتى بها بقصد الجزئية بل وان قصد بها الذكر والدعاء بل مقتضاها عدم اختصاص النهى بالقراءة بل مطلق التكلم ولو بالتسبيح والأدعية والأذكار ولكن دلالتها على الحرمة موقوفة على أن يكون الامر بالانصات الذي علل به النهى عن القراءة للوجوب والا امتنع ان يكون علة لحرمة القراءة إذ لا مناسبة بينهما كما لا يخفى ولكن هذا أي وجوب الاستماع والانصات خلاف ظاهر الأصحاب فإنهم على ما نبه عليه شيخنا المرتضى رحمه الله لم يتعرضوا الحكم استماع قراءة الإمام في واجبات الجماعة عدى ظاهر عبارة ابن حمزة في الوسيلة حيث جعل من واجبات الاقتداء الانصات لقرائة الامام بل عن التنقيح والنجيبة دعوى الاجماع على استحباب الانصات قال في محكى التنقيح ان ابن حمزة أوجب الانصات والباقي سنوه فعلى هذه تكون هذه الصحيحة من أقوى الأدلة على ما نسب إلى المشهور من القول بالكراهة فإنه مقتضى المناسبة كون مطلوبية ترك القراءة الذي يتوقف عليه الانصات على حسب مطلوبية الانصات غير مانعة عن النقيض وهو معنى الكراهة كما ربما يؤيد أيضا قوله عليه السلام بعد النهى عن القراءة في الأوليين ولا تقران
(٦٣٩)