الجاهلية) متفق عليه، ولان ذلك يشبه الظلم والاستغاثة والسخط بقضاء الله، وفي بعض الآثار ان أهل البيت إذا دعوا بالويل والثبور وقف ملك الموت في عتبة لباب وقال: إن كانت صيحتكم علي فانى مأمور، وإن كانت على ميتكم فإنه مقبور، وإن كان على ربكم فالويل لكم والثبور، وان لي فيكم عودات ثم عودات. وقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا (حضرتم الميت فقولوا خيرا فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) (فصل) وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (ان الميت يعذب في قبره بما يناح عليه) وفي لفظ (ان الميت يعذب ببكاء أهله عليه) وروي ذلك عن عمر وابنه والمغيرة، وهي أحاديث متفق عليها.
واختلف أهل العلم في معناها فحملها قوم على ظواهرها وقالوا يتصرف في خلقه بما شاء، وأيدوا ذلك بما روى أبو موسى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (ما من ميت يموت فيقوم باكيهم فيقول واجبلاه واسنداه ونحو ذلك إلا وكل الله به ملكين يلهزانه أهكذا كنت؟) قال الترمذي هذا حديث حسن. وروى النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة فجعلت أخته تبكي وتقول: واجبلاه واكذا واكذا تعدد عليه. فقال حين أفاق: ما قلت لي شيئا إلا قيل لي أنت كذلك؟ فلما مات لم تبك عليه أخرجه البخاري. وأنكرت عائشة رضي الله عنها حملها على ظاهرها ووافقها ابن عباس، قال ابن عباس:
ذكرت ذلك لعائشة فقالت: يرحم الله عمر ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم (ان الله ليعذب المؤمن ببكاء أهله عليه) ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (إن الله ليزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه) وقالت: حسبكم القرآن (ولا تزر وازرة وزر أخرى) قال ابن عباس عند ذلك والله أضحك وأبكى وذكر ذلك ابن عباس لابن عمر حين روى حديثه فما قال شيئا رواه مسلم، وحمله قوم على من كان النوح بسببه ولم ينه أهله لقول الله تعالى (قوا أنفسكم وأهليكم نارا) وقول النبي صلى الله عليه وسلم (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) وحمله آخرون على من أوصى بذلك في حياته كقول طرفة:
إذا مت فانعيني بما أنا أهله * وشقي علي الجيب يا بنت معبد وقال آخر:
من كان من أمهاتي باكيا أبدا * فاليوم أبى أراني اليوم مقبوضا سمعتينه فاني غير سامعه * إذا جعلت على الأعناق معروضا ولا بد من حمل البكاء في هذه الأحاديث على البكاء غير المشروع وهو الذي معه ندب ونياحة ونحو هذا بدليل ما قدمناه من الأحاديث في صدر المسألة (فصل) وينبغي للمصاب أن يستعين بالله تعالى ويتعزى بعزائه ويمتثل أمره في الاستعانة بالصبر والصلاة ويتنجز ما وعد الله به الصابرين حيث يقول سبحانه (وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) وروى مسلم في صحيحه عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها