تجب عليه الزكاة لأنها لا تجب إلا على الأغنياء للخبر ولقوله عليه السلام (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) ويخالف من لا دين له عليه فإنه غنى يملك نصابا، يحقق هذا أن الزكاة إنما وجبت مواساة للفقراء وشكرا لنعمة الغني، والمدين محتاج إلى قضاء دينه كحاجة الفقير أو أشد وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك لحاجة غيره ولا حصل له من الغنى ما يقتضي الشكر بالاخراج، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (ابدأ بنفسك ثم بمن تعول) (فصل) فأما الأموال الظاهرة وهي السائمة والحبوب والثمار فروي عن أحمد أن الدين يمنع الزكاة أيضا فيها لما ذكرناه في الأموال الباطنة. قال أحمد في رواية إسحق بن إبراهيم يبتدئ بالدين فيقضيه ثم ينظر ما بقي عنده بعد إخراج النفقة فيزكي ما بقي ولا يكون على أحد دينه أكثر من ماله صدقة في إبل أو بقر أو غنم أو زرع ولا زكاة وهذا قول عطاء والحسن وسليمان وميمون بن مهران والنخعي والثوري والليث وإسحق لعموم ما ذكرنا وروي أنه لا يمنع الزكاة فيها وهو قول مالك والأوزاعي والشافعي، وروي عن أحمد أنه قال: قد اختلف ابن عمر وابن عباس فقال ابن عمر يخرج ما استدان أو أنفق على ثمرته وأهله ويزكي ما بقي. وقال الآخر يخرج ما استدان على ثمرته ويزكي ما بقي واليه أذهب أن لا يزكي ما أنفق على ثمرته خاصة ويزكي ما بقي، لأن المصدق إذا جاء فوجد إبلا أو بقرا أو غنما لم يسأل أي شئ على صاحبها من الدين وليس المال هكذا. فعلى هذه الرواية لا يمنع الدين الزكاة في الأموال الظاهرة إلا في الزرع والثمار فيما استدانه للانفاق عليها خاصة وهذا ظاهر قول الخرقي لأنه قال في الخراج: يخرجه ثم يزكي ما بقي جعله كالدين على الزرع. وقال في الماشية المرهونة يؤدي منها إذا لم يكن له مال يؤدي عنها فأوجب الزكاة فيها مع الدين. وقال أبو حنيفة: الدين الذي تتوجه فيه المطالبة يمنع في سائر الأموال إلا الزرع والثمار بناء منه على أن الواجب فيها ليس بصدقة والفرق بين الأموال الظاهرة والباطنة أن تعلق الزكاة بالظاهرة آكد لظهورها وتعلق قلوب الفقراء بها ولهذا يشرع ارسال من يأخذ صدقتها من أربابها، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة فيأخذون الصدقة من أربابها وكذلك الخلفاء بعده وعلى منعها قاتلهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه ولم يأت عنه انهم استكرهوا أحدا على صدقة الصامت ولا طالبوه بها إلا أن يأتي بها طوعا ولان السعاة يأخذون زكاة ما يجدون ولا يسألون عما على صاحبها من الدين فدل على أنه لا يمنع زكاتها ولان تعلق أطماع الفقراء بها أكثر، والحاجة إلى حفظها أوفر، فتكون الزكاة فيها أوكد (فصل) وإنما يمنع الدين الزكاة إذا كان يستغرق النصاب أو ينقصه ولا يجد ما يقضيه به سوى النصاب أو ما لا يستغني عنه مثل أن يكون له عشرون مثقالا وعليه مثقال أو أكثر أو أقل مما ينقص به النصاب إذا قضاه به ولا يجد له قضاء من غير النصاب، فإن كان له ثلاثون مثقالا وعليه عشرة فعليه زكاة العشرين، وإن كان عليه أكثر من عشرة فلا زكاة عليه، وإن كان عليه خمسة فعليه
(٦٣٦)