فيخرج من الخلاف، ولان صلاة القائم أكمل فيستحب أن يكون الإمام كامل الصلاة، فإن قيل قد صلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا بأصحابه ولم يستخلف قلنا صلى قاعدا ليبين الجواز واستخلف مرة أخرى، ولان صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قاعدا أفضل من صلاة غيره قائما، فإن صلى بهم قاعدا جاز ويصلون من ورائه جلوسا فعل ذلك أربعة من الصحابة أسيد بن حضير وجابر وقيس ابن فهد وأبو هريرة، وبه قال الأوزاعي وحماد بن زيد وإسحاق وابن المنذر. وقال مالك في إحدى روايتيه: لا تصح صلاة القادر على القيام خلف القاعد وهو قول محمد بن الحسن لأن الشعبي روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا يؤمن أحد بعدي جالسا) أخرجه الدارقطني. ولان القيام ركن فلا يصح ائتمام القادر عليه بالعاجز عنه كسائر الأركان. وقال الثوري والشافعي وأصحاب الرأي يصلون خلفه قياما لما روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم استخلف أبا بكر، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم وجد في نفسه خفة فخرج بين رجلين فأجلساه إلى جنب أبي بكر فجعل أبو بكر يصلي وهو قائم بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون بصلاة أبي بكر والنبي صلى الله عليه وسلم قاعد، متفق عليه وهذا آخر الامرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ركن قدر عليه فلم يجز له تركه كسائر الأركان ولنا ما روى أبو هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) متفق عليه، وعن عائشة رضي الله عنها قالت صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته وهو شاك فصلى جالسا وصلى وراءه قوم قياما فأشار إليهم (أن اجلسوا) فلما انصرف قال (إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون) وروى أنس نحوه أخرجهما البخاري ومسلم. وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. أخرجه مسلم ورواه أسيد بن حضير وعمل به، قال ابن عبد البر: روي هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طرق متواترة من حديث انس وجابر وأبي هريرة وابن عمر وعائشة كلها بأسانيد صحاح ولأنها حالة قعود الإمام فكان على المأمومين متابعته كحال التشهد. فاما حديث الشعبي فمرسل يرويه جابر الجعفي وهو متروك وقد فعله أربعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعده. فأما حديث الآخرين فقال احمد: ليس في هذا حجة لأن أبا بكر كان ابتدأ الصلاة، فإذا ابتدأ الصلاة قائما صلوا قياما، فأشار احمد إلى أنه يمكن الجمع بين الحديثين بحمل الأول على من ابتدأ
(٤٨)