ولنا قول الله تعالى (فإن خفتم فرجالا أو ركبانا) قال ابن عمر: فإن كان خوف أشد من ذلك صلوا رجالا قياما على أقدامهم ركبانا مستقبلي القبلة وغير مستقبلي القبلة وغير مستقبليها. متفق عليه، وروي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولان النبي صلى الله عليه وسلم صلبي بأصحابه في غير شدة الخوف فأمرهم بالمشي إلى وجاه العدو، ثم يعودون لقضاء ما بقي من صلاتهم وهذا مشي كثير، وعمل طويل، واستدبار للقبلة، وأجاز ذلك من أجل الخوف الذي ليس بشديد، فمع الخوف الشديد أولى، ومن العجب أن أبا حنيفة اختار هذا الوجه دون سائر الوجوه التي لا تشتمل على العمل في أثناء الصلاة وسوغه مع الغنى عنه وامكان الصلاة بدونه، ثم منعه في حال لا يقدر إلا عليه وكان العكس أولى، سيما مع نص الله تعالى على الرخصة في هذه الحال، ولأنه مكلف تصح طهارته فلم يجز له اخلاء وقت الصلاة عن فعلها كالمريض، ويخص الشافعي بأنه عمل أبيح من أجل الخوف فلم تبطل الصلاة به كاستدبار القبلة والركوب والايماء، ولأنه لا يخلو عند الحاجة إلى العمل الكثير من أجل ثلاثة أمور: اما تأخير الصلاة عن وقتها ولا خلاف بيننا في تحريمه أو ترك القتال وفيه هلاكه وقد قال الله تعالى (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) وأجمع المسلمون على أنه لا يلزمه هذه أو متابعة العمل للمتنازع فيه وهو جائز بالاجماع فتعين فعله وصحة الصلاة معه، ثم ما ذكره يبطل المشي الكثير والعدو في الهرب وغيره.
وأما تأخير الصلاة يوم الخندق فروى أبو سعيد أنه كان قبل نزول صلاة الخوف، ويحتمل أنه شغله المشركون فنسي الصلاة فقد نقل ما يدل على ذلك وقد ذكرناه فيما مضى وأكده أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا في مسايفة توجب قطع الصلاة، وأما الصياح والحدث فلا حاجة بهم إليه ويمكنهم التيمم ولا يلزم من كون الشئ مبطلا مع عدم العذر أن يبطل معه كخروج النجاسة من المستحاضة ومن به سلس البول وإن هرب من العدو هربا مباحا، أو من سيل، أو سبع أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب فله أن يصلي صلاة شدة الخوف سواء خاف على نفسه، أو ماله، أو أهله. والأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى، والمختفي في موضع يصليان كيفما أمكنهما نص عليه احمد في الأسير، ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام أو مضطجعا لا يمكنه القعود ولا الحركة صلى على حسب حاله وهذا قول محمد ابن الحسن. وقال الشافعي: يصلي ويعيد وليس بصحيح لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه فلم تلزمه الإعادة كالهارب ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا لأن المبيح خوف الهلاك وقد تساويا فيه ومتى أمكن التخلص بدون ذلك كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة، والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صولة العدو ولحوق الضرر فيصلي فيه ثم يخرج لم يكن له أن يصلي صلاة شدة الخوف لأنها إنما أبيحت للضرورة فاختصت بوجود الضرورة (فصل) والعاصي بهربه كالذي يهرب من حق توجه عليه، وقاطع الطريق واللص والسارق