وأما الاحتياط للصلاة فإن كل طائفة تأتي بصلاتها متوالية بعضها توافق الإمام فيها فعلا وبعضها تفارقه وتأتي به وحدها كالمسبوق. وعنده تنصرف في الصلاة فاما أن تمشي واما أن تركب وهذا عمل كثير وتستدبر القبلة وهذا ينافي الصلاة وتفرق بين الركعتين تفريقا كثيرا بما ينافيها، ثم جعلوا الطائفة الأولى مؤتمة بالإمام بعد سلامه، ولا يجوز أن يكون المأموم مأموما في ركعة يأتي بها بعد سلام إمامه وأما الاحتياط للحرب فإنه يتمكن من الضرب والطعن والتحريض، وإعلام غيره بما يراه مما خفي عليه من أمر العدو وتحذيره وأعلام الذين مع الإمام بما يحدث ولا يمكن هذا على قولهم، ولان مبني صلاة الخوف على التخفيف لأنهم في موضع الحاجة إليه، وعلى قولهم تطول الصلاة أضعاف ما كانت حال الامن لأن كل طائفة تحتاج إلى مضي إلي مكان الصلاة ورجوع إلى وجاه العدو، وانتظار لمضي الطائفة الأخرى ورجوعها فعلى تقدير أن يكون بين المكانين نصف ميل تحتاج كل طائفة إلى مشي ميل، وانتظار للأخرى قدر مشي ميل وهي في الصلاة، ثم تحتاج إلى تكليف الرجوع إلى موضع الصلاة لاتمام الصلاة من غير حاجة إليه ولا مصلحة تتعلق به، فلوا احتاج الآمن إلى مثل هذه الكلفة في الجماعة لسقطت عنه فكيف يكلف الخائف هذا وهو في مظنة التخفيف والحاجة إلى الرفق به، وأما مفارقة الإمام فجائزة للعذر ولابد منها على القولين، فإنهم جوزوا للطائفة الأولى مفارقة الإمام والذهاب إلى وجه العدو وهذا أعظم مما ذكرناه فإنه لا نظير له في الشرع، ولا يوجد مثله في موضع آخر (فصل) وإن صلى بهم كمذهب أبي حنيفة جاز نص عليه احمد ولكن يكون تاركا للأولى والأحسن، وبهذا قال ابن جرير وبعض أصحاب الشافعي (فصل) ولا تجب التسوية بين الطائفتين لأنه لم يرد بذلك نص ولا قياس، ويجب أن تكون الطائفة التي بإزاء العدو ممن تحصل الثقة بكفايتها وحراستها، ومتى خشي اختلال حالهم واحتيج إلى معونتهم بالطائفة الأخرى فللإمام أن ينهد إليهم بمن معه ويبنوا على ما مضى من صلاتهم (فصل) فإن صلوا الجمعة صلاة الخوف جاز إذا كانت كل طائفة أربعين، فإن قيل فالعدد شرط في الجمعة كلها، ومتى ذهبت الطائفة الأولى بقي الإمام منفردا فتبطل كما لو نقص العدد فالجواب أن هذا جاز لأجل العذر ولأنه يترقب مجئ الطائفة الأخرى بخلاف الانفضاض، ولا يجوز أن يخطب بإحدى الطائفتين ويصلي بالأخرى حتى يصلي معه من حضر الخطبة وبهذا قال الشافعي (فصل) والطائفة الأولى في حكم الائتمام قبل مفارقة الإمام، فإن سها لحقهم حكم سهوه فيما قبل مفارقته، وإن سهوا لم يلزمهم حكم سهوهم لأنهم مأمومون، وأما بعد مفارقته فإن سها لم
(٢٦٣)