الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا انتهى أقول ما ذكروه في المسالك في تفسير العبارة من كونه بكله ان أريد به كله حقيقة بحيث يتحقق معه صدق اسم الاستدبار فهو لا يخلو من بعد بل الظهر ان المقصود به صرف وجهه إلى ما وراه بتحريف أعالي جسده على وجه يتمكن معه من المتوجه إلى خلفه وكيف كان فالمتتبع هو الدليل ومما يدل عليه ما دل على شرطية الاستقبال من الكتاب والسنة إذا المتبادر منه ارادته ما دام متلبسا بالصلاة ولو في الانات المتخللة بين ابعاضها كما لو امر بقراءة سورة أو دعاء مستقبل القبلة وحيث يعتبر التوالي بين اجزاء الصلاة وعدم انقطاع بعضها عن بعض والخروج منها ما لم يسلم وجب بقائه مستقبلا من حين التلبس بها إلى أن يتحقق الفراغ فلا يقاس شرطية الاستقبال بالنية التي لم يدل الدليل الا على اعتبار صدور الافعال عنها فلا يكون الاخلال بها في خلالها من حيث هو منافيا لصحتها بخلاف الاستقبال والستر ونحوه مما دل الدليل بظاهره على اعتباره حال تلبسه بالصلاة هذا ولكن لقائل ان يقول إن غاية ما يمكن استفادته مما دل على شرطية الاستقبال انما هو اعتباره حال تلبسه بافعال الصلاة دون الافعال الخارجية التي يجوز الاتيان بها في أثناء الصلاة كقتل العقرب والحية أو السكوت القصير أو غير ذلك من الافعال الغير القادحة في الصلاة بل لا يستفاد من أدلة الشرطية الا اعتباره في نفس الافعال من حيث هي لا في المجموع من حيث المجموع فلو أخل به في أثناء القراءة مثلا بطلت القراءة أولا وبالذات والصلاة ثانيا وبالعرض فلو أمكن تداركها من غير أن يتحقق به زيادة مبطلة أو مانع اخر نحوها لم يكن استفادة بطلانها مما دل على شرطية الاستقبال الا ترى انه لو امر بقراءة دعاء الصحيفة مثلا عند رؤية الهلال متوجها إليه أو بزيارة الجامعة متوجها إلى قبر الحسين عليه السلام لا يفهم من ذلك اعتبار استمرار المواجهة من أول العمل إلى اخره حتى حال تلبسه ببعض الافعال الخارجية المأتي بها في أثناء العمل الغير المنافية له والحاصل ان استفادة قاطعية الاستدبار مما دل على شرطية الاستقبال محل نظر اللهم الا ان يستظهر شرطيته على سبيل الاستمرار من التفريع الواقع في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال استقبل القبلة بوجهك ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك فان الله عز وجل يقول لنبيه في الفريضة فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره الحديث بدعوى ان المتبادر من قوله (ع) ولا تقلب وجهك عن القبلة فتفسد صلاتك هو النهي عن الالتفات عنها في أثناء الصلاة بعد انعقادها صحيحة فيكون تفريعة على قول الله عز وجل فول وجهك شطر المسجد الحرام كاشفا عن إرادة الاستمرار على وجه ينافيه الالتفات في الأثناء مطلقا ولكنها لا تخلو من تأمل لامكان ان يكون المراد به انك لا تنحرف عن القبلة اي لا تترك الاستقبال حال الصلاة كي تقع فاسدة بل هذا نسب بالتفريع كما لا يخفى ومما يدل على المدعى صحيحة زرارة انه سمع أبا جعفر عليه السلام يقول الالتفات يقطع الصلاة إذا كان بكله وحسنة الحلبي أو صحيحته عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال إذا التفت في صلاته مكتوبة من غير فراغ فأعد الصلاة إذا كان الالتفات فاحشا وان كنت قد تشهدت فلا تعد وما عن الصدوق وفي الخصال باسناده عن علي عليه السلام في حديث الأربعمأة قال الالتفات الفاحش يقطع الصلاة وينبغي لمن يفعل ذلك ان يبدء بالأذان والإقامة والتكبير والنسبة بين الالتفات بكله و الالتفات الفاحش الوارد في الخبرين الأخيرين العموم من وجه فيتحقق التنافي بين مفهوم كل من الشرطين مع منطوق الأخرى في مورد الافتراق ولكن الظاهر أن المقصود بالجميع هو الالتفات المعتد به الموجب الخروج عرفا عن حد الاستقبال المعتبر في الصلاة فالعبرة بهذا لا بخصوصية كل من العنوانين فالشرطيتان واردتان مورد الغالب من عدم خروج المصلي عرفا عن صدق كونه مستقبلا للقبلة ما لم يلتفت بكله أو لم يكن الالتفات فاحشا وقد أريد بهما التنبيه على أن الالتفات اليسير أو الالتفات ببعضه غالبا ليس منافيا للاستقبال المعتبر في الصلاة ومما يؤيد ما ذكرنا جملة من الروايات التي يظهر منها ان الانحراف عن القبلة مطلقا قاطع للصلاة كصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) قال سألته عن الرجل يصيبه الرعاف وهو في الصلاة فقال إن قدر على ما عنده يمينا وشمالا أو بين يديه وهو مستقبل القبلة فليغسله عنه ثم ليصل ما بقي من صلاته وان لم يقدر على ماء حتى ينصرف بوجهه أو يتكلم فقد قطع صلاته وصحيحة عمر وبن أذينة عن أبي عبد الله (ع) انه سئله عن الرجل يرعف وهو في الصلاة وقد صلى بعض صلاته فقال إن كان الماء عن يمينه أو عن شماله أو عن خلفه فليغسله من غير أن يلتفت وليبن على صلاته فإن لم يجد الماء حتى يلتفت فليعد الصلاة والقي مثل ذلك وخبر أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال إن تكلمت أو صرفت وجهك عن القبة فأعد الصلاة وخبر محمد بن مسلم عن أحدهما انه سئل عن رجل دخل مع الامام في صلاته وقد سبقه الامام بركعة فلما فرغ الامام خرج مع الناس ثم ذكر انه فاتته ركعة قال يعيد ركعة واحدة يجوز له ذلك إذا لم يحول وجهه فإذا حول وجهه عن القبلة استقبل الصلاة استقبالا وما في هذه الأخبار من التعبير بصرف وجهه أو تحويله عن القبلة بحسب الظاهر كناية عن الانحراف عنها في مقابل استقبالها لا الالتفات بخصوص وجهه مع بقائه مستقبلا عرفا كما لا يخفى على من لاحظ سوقها ولو سلم ظهوره في الاطلاق وجب تقييده بالصحيحة المتقدمة التي قيد فيها الالتفات المبطل بما إذا كان بكله نعم لو قلنا بان الالتفات بخصوص الوجه يوجب الخروج عرفا عن كونه مستقبلا للقبلة كما ليس بالبعيد فيما لو صرف وجهه جميعا وجعل صفحته مقابلا ليمين القبلة أو شمالها فضلا عما لو صرف إلى خلفه وجب الالتزام بمبطليته وصرف الصحيح إلى ما لا ينافيه كما تقدمت الإشارة إليه فإنه يستفاد من التلويحات الواردة في الأخبار المزبورة وغيرها مما يدل على شرطية الاستقبال استفادة قطعية انه يجب كون المصلى مستقبلا للقبلة من أول الصلاة إلى اخرها وان الاخلال به لو في الأكوان المتخللة فضلا عما لو كان متشاغلا بافعال الصلاة مبطل لها فلو ورد في شئ من الأخبار ما يوهم خلاف ذلك وجب صرفه إلى ما لا ينافيه فيه ان أمكن والا فراد علمه إلى أهله فالعبرة في قاطعية الالتفات مما هو بكونه منافيا لصدق الاستقبال فما في المتن وغيره من تقييده بكونه إلى ما ورائه أريد به بحسب الظاهر الالتفات بالوجه لا الاستدبار كما تقدمت الإشارة إليه في صدر المبحث أو المراد به التوجه إلى الخلف بوجهه في مقابل الالتفات إلى اليمين والشمال الغير المنافي لصدق اسم الاستقبال فيحتمل قويا ان يكون مرادهم بالالتفات إلى ما ورائه صرف وجهه إلى خلفه بحيث يتمكن من مشاهدته وان لم يكن ذلك بجميع وجهه فإنه يصدق معه الالتفات إلى الخلف ويكفي هذا المقدار من الالتفات بحسب الظاهر في الخروج عرفا عن كونه مستقبلا للقبلة
(٤٠٣)