فاخذ النعل فضربها ثم قال بعد ما انصرف لعنك الله فما تدعين برا ولا فاجرا الا أذيته ثم دعى بملح جريش فدلك موضع اللدغة ثم قال لو علم الناس ما في الملح الجريش ما احتجوا معه إلى ترياق وغيره وقد ورد في اخبار مستفيضة الامر بغسل دم الرعاف والبناء على الصلاة ما لم يلتفت أو يتكلم وقد قيدها الأصحاب بما إذا لم يستلزم فعل كثيرا إلى غير ذلك من الأخبار الكثيرة التي يقف عليها المتتبع ومن تدبر في هذه الأخبار يرى أن أغلبها من حيث التعرض لحكم ما تضمنها أو السؤال عنه أو التعرض لنقله لا يخلو من اشعار بمغروسية التنافي بين الصلاة والافعال الخارجية اجمالا في أذهانهم ومن المستبعد حصول هذا النحو من المغروسية في أذهان المتشرعة من الصدر الأول على وجه يزعمونه من الضروريات من غير أن يكون واصلا إليهم من الشارع وان جاز عقلا ان يكون منشأه الجمود على ما رأوه من افعل النبي صلى الله عليه وآله والأئمة (ع) وغيرهم ممن تعلموا منه صورة الصلاة من أنه كان يفرغ نفسه للصلاة حين تلبسه بها ويتجنب في خلالها عن سائر الأعمال المنافية للخشوع وتوقير الصلاة فزعموا كون ذلك شرطا لصحتها لا لكمالها ولكنه مع هذا النحو من التسالم في غاية البعد خصوصا بعد الالتفات إلى بعض الإشارات والتلويحات الواقعة في الأخبار المشعرة بذلك مثل قول الرضا عليه السلام في خبر الفضل بن شاذان المروي عن العلل الواردة في باب التسليم انما جعل التسليم تحليل الصلاة ولم يجعل بدلها تكبيرا أو تسبيحا أو ضربا آخر لأنه لما كان الدخول في الصلاة تحريم الكلام للمخلوقين والتوجه إلى الخالق كان تحليلها كلام المخلوقين والانتقال عنها وابتداء المخلوقين في الكلام أو لا بالتسليم فإنه مشعر بأنه يجب ان يكون المصلي من أول الصلاة متوجها إلى الخالق وان لا ينتقل عنها إلى غيرها الا بالتسليم الذي جعل تحليلا لها كما يؤيد ذلك تسمية التكبير افتتاحا وتحريما والتسليم تحليلا وانصرافا وتسميته المنافيات قواط فيستكشف من مثل هذه الأمور ونظائرها مما ورد في النصوص وان جاز الخدشة في كل واحد واحد منها لو لوحظ بنفسه انه يعتبر في الصلاة بقاء المصلي بصفة كونه مصليا من حين التلبس بالصلاة إلى أن يتحقق الفراغ عنها وان لا يشتغل في خلالها بسائر الاعمال التي ليست من سنخها بحيث يخرج عن كونه مصليا كما يؤيده أيضا خبر أبي علي بن جعفر المتقدمان في مسألة التكتف المرويات عن قرب الإسناد وكتاب المسائل عن أخيه موسى عليه السلام ففي أولهما قال قال علي بن الحسين (ع) وضع الرجل احدى يديه على الأخرى في الصلاة عمل وليس في الصلاة عمل وفي خبر الاخر قال سئلت أبي جعفر (ع) عن ذلك فقال أخبرني أبي محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب (ع) قال ذلك عمل وليس في الصلاة عمل ويؤيده أيضا ما وقع في السؤال الواقع في مكاتبة عبد الله بن جعفر الحميري المتقدمة في مبحث القنوت انه كتب إلى صاحب الزمان عجل الله فرجه يسئله عن القنوت في الفريضة إذا فرغ من دعائه ان يرد يديه على وجهه وصدره للحديث الذي روى أن الله جل جلاله اجل من أن يرد يد عبد صفرا بل يملاؤها من رحمته أم لا يجوز فان بعض أصحاب ذكر انه عمل في الصلاة الحديث بل ربما يستدل يمثل هذه الأخبار للمدعى وفيه نظر يظهر وجهه مما مر في مسألة التكتف وكيف كان فلا شبهة في أن الاشتغال بسائر الاعمال في أثناء الصلاة مبطل للصلاة في الجملة وانما الاشكال في تحديد ما يتحقق به البطلان وفي معرفة مناطه من أنه هل هو لأجل اشتراط الصلاة بعدم التشاغل حالها بسائر الأعمال الخارجية أو من حيث كونه رافعا للهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة وقد أشرنا فيما سبق إلى أن ظاهر كلمات الأصحاب في فتاويهم ومعاقد اجماعاتهم المحكية ان الفعل الكثير من حيث هو مبطل للصلاة فلا فرق (ح) بين ما لو تخلل الفعل الكثير بين افعال الصلاة أو وقع حال تشاغله بالافعال كما لو اشتغل حال القراءة من أولها إلى اخرها ببعض الافعال الغير المضادة لها كحياكة ثوب أو خياطته على وجه لا يختل به شئ من شرائط الصلاة من الاستقبال والاستقرار ونحوهما ولكن قضية تحديدهم الفعل الكثير مما يخرج معه المصلي عرفا عن صدق كونه مصليا وتعليل بعضهم مبطليته بذلك اختصاصه بالقسم الأول إذ المصلي انما يخرج عرفا عن صدق كونه مصليا إذا ترك الصلاة واشتغل بفعل اخر واما ما لو اتى به حال كونه متلبسا بافعال الصلاة فلا يقال عرفا بعد علمهم بكونه متلبسا بافعال الصلاة انه ليس بمصلي بل يقال إنه يصلي ويفعل كذا كما لو أنه مشى إلى مكان حال تلبسه بالقراءة ونحوها يقال عرفا انه يصلي ماشيا أو انه يمشي في صلاته واما ان هذه الصلاة صحيحة أو فاسدة فليست معرفته وظيفة للعرف حتى يرجع إليهم في ذلك والخاص ان الافعال الواقعة في الصلاة منها ما يجتمع مع افعال الصلاة كالخياطة والحياكة أو المشي الكثير الواقع حال تلبسه بالقراءة وهذا القسم مما لا سبيل للعرف إلى الحكم بعدم كونه مصليا لأنه موقوف على معرفة مهية الصلاة واشتراطها بعدم اقترانها بهذا الفعل وهذا انما يعرف بمراجعة الأدلة السمعية وعلى العرف الرجوع فيه إلى الفقيه مع أنه بعد معرفة الاشتراط أيضا لا يطلق عليه عرفا انه غير مصلي بل يقال إنه يصلي مخلا بشرطه كما يقال يصلي مستدبر القبلة أو ماشيا أو بلا طمأنينة وهكذا ومنها ما يأتي به فيما بين الافعال وهذا مما يفصل فيه أهل العرف بين قليلة وكثيرة فلا يرى قليلة الذي لا يعتد به موجبا لخروجه عن كونه مشغولا بالصلاة بخلاف كثيره والقدر المتيقن الذي يمكن دعوى استفادة مبطليته على الاطلاق من الاجماع وغيره مما ذكر انما هو الفعل المعتد به الواقع في الأثناء الذي لا يبقى معه صدق كونه مصليا فيحتمل ان يكون وجهه كونه محلا بالهيئة الاتصالية المعتبرة في الصلاة وهو لا يقتضي البطلان الا في هذه الصورة دون ما لو اتى بفعل كثير حال تشاغله بافعال الصلاة كالأمثلة المزبورة فمقتضى الأصل في مثل هذه الأمثلة ما لم يختل بها شئ من الشرائط المعتبرة في الصلاة من الاستقبال والاستقرار والاعتماد ونحوها في لبطلان الا ان ينعقد في شئ منه بخصوصه الاجماع على مبطليته كما لا يبعد ادعائه في مثل الأكل والشرب الكثيرين إذا الظاهر في لخلاف في بطلان الصلاة بهما وان وقعا على وجه لم يخلا بالهيئة الاتصالية كما لو صدرا من المأموم حين استماعه قرأته الامام والحاصل ان الحكم بالابطال في هذا القسم من الفعل وان كثر انما يصح في كل مورد صح ان يدعى فيه بخصوصه الاجماع وهذا بخلاف القسم الذي يقع في خلال الافعال ويخرج به المصلي عن كونه مصليا عرفا فإنه على اطلاقه هو القدر المتيقن من مورد هذا الحكم ولكن ربما يظهر من كلماتهم التسالم على أن الفعل الكثير من حيث هو مبطل للصلاة مطلقا سواء وقع في الأثناء أو حال تشاغله بالافعال ولذا لا يظن بمن فسره بما يخرج به المصلي عن كونه مصليا
(٤١٢)