فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا فمحصل الجميع بعد الجمع انه يجب الجمعة على كل أحد بشرط ان يجتمع معه عدة اشخاص فما زاد ويكون لهم من يخطب والا فلا يجب عليهم كما هو صريح الخبرين وقد عرفت فيما سبق من أن المراد بمن يخطب اما من كان منصوبا لذلك أو مطلق من يقوم بهذه الوظيفة لا مطلق من يقدر عليهم وكل منهما ينافي مذهب الخصم كما تقدم توضيحه فيما سبق وان شئت قلت كسر السورة القائلين بالوجوب العيني الذين ادعوا تواتر روايات صحاح صريحات في الوجوب تبلغ مأتي حديث انا مجمع بين كل من الروايات وبين ما تضمنته الصحيحتان ونقول مثلا الجمعة واجبة على كل أحد بشرط ان يجتمع معه غيره إلى أن بلغوا خمسة فما زاد وأن يكون لهم من يخطب بهم والا لم يجب عليهم فهل بقي لها بعد هذا الجمع ظهور في الاطلاق فضلا عن الصراحة و كيف كان فقد استدلوا لمذهبهم أيضا بهاتين الصحيحتين وفيه ما عرفت واستدلوا أيضا بصحيحة زرارة قال حدثنا أبو عبد الله (ع) على صلاة الجمعة حتى ظننت انه يريد ان نأتيه فقلت تغدو عليك فقال لا انما عنيت عندكم وفيه ان الصحيحة أيضا كسابقيها من أقوى الأدلة على عدم وجوبها عينا فان فيها جهات من الدلالة على ذلك منها ان الحث والترغيب ونحوهما لا يطلق الا في المرغبات والسنن التي يجوز للمكلف تركها فلا يقال حثنا على الفرائض اليومية أو رد الأمانة إلى أهلها ومنها انه يظهر من هذا الخبر ان زرارة لم يكن يواظب على فعلها بل على تركها مع كونه قادرا على اقامتها مع نفر من أصحابه على وجه يامن من ضرر مخالفتها للتقية والا لم يكن أبو عبد الله عليه السلام يحثهم على فعلها فهذا يكشف عن عدم كونها واجبا عينيا عليهم والا لم يكن يختفي ذلك على عوام الشيعة فضلا عن مثل زرارة الذي وصل الينا بواسطته جملة من الروايات التي استشهد بها الخصم لمدعاه فهذا أيضا يؤيد ما ذكرناه من عدم دلالة الروايات التي رواها زرارة عن أبي جعفر عليه السلام في هذا الباب على نفي الاشتراط والا لكان زرارة أولى بان يفهمه منها في غيره كما هو واضح ومنها اشعار قوله حتى ظننت (الخ) بمعهودية كونها من وظائف الامام لديهم حتى أنه صار سببا لحصول هذا الظن وكيف كان فهذا الرواية كادت تكون صريحه في الاستحباب الذي ستعرف ان مرجعه إلى كونها أفضل فردي الواجب التخييري فلو سلم ظهور شئ مما تمسك به الخصم لمدعاة في الوجوب يجب حمله اما على الاستحباب أو الوجوب التخييري بشهادة هذه الصحيحة فضل عن غيرها مما عرفت وتعرف واستدلوا أيضا بصحيحة أخرى لزرارة قال قلت لأبي جعفر عليه السلام على من تجب الجمعة قال على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقل من خمسة أحدهم الامام فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم والمراد بقوله (ع) أحدهم الامام بحسب الظاهر التنبيه على أن الامام أيضا محسوب من العدد والاستدلال بهذه الرواية انما يتجه بلحاظ ذيلها والا فصدرها بحسب الظاهر مسوق لبيان العدد الذي هو مناط الوجوب فلا يفهم منه انه مهما وجدت السبعة وجبت الجمعة وانما يفهم ذلك من اطلاق قوله فإذا اجتمع سبعة (الخ) فان ظاهره إرادة اي بعض يكون لا بعضا مبهما لا ينافيه إرادة شخص خاص منصوب للإمامة وكونه من قبيل الامر الوارد عقيب الحظر الذي لا يفهم منه أزيد من الجواز غير قادح بظهوره في الوجوب في خصوص المقام باعتبار وقوعه تفريعا على من تجب عليهم الجمعة كما أنه ما فيها من التفصيل بين الخمسة والسبعة ينفي احتمال إرادة مطلق المشروعية والوجوب التخييري الذي يتحقق موضوعه بالخمسة فالانصاف ان هذه الرواية بملاحظة ما فيها من التفريع والتفصيل لها نوع ظهور فيما يدعيه الخصم وان كان قد يوهنه عدم فهم زرارة ذلك منها على ما يظهر من صحيحته السابقة كما تقدمت الإشارة إليه ولكن ليرفع اليد بمثل هذا الوهن لو كان الموهن منحصرا به بل يجب رفع اليد عنه اما بحملها على الاستحباب بشهادة صحيحة السابقة أو على إرادة بيان مطلق المشروعية بهذه الفقرة دفعا لتوهم اشتراط امام خاص كما لا يأبى عنه سوق التعبير وان كان مخالفا لظاهر التفريع جمعا بينه وبين الصحيحتين المتقدمتين الصريحتين في عدم وجوبها على أهل القرية التي لم يكن فيهم من يخطب بهم مع وجود من يأم بهم الظهر جماعة وقدرته عادة على أداء أقل ما يجزي من الخطبة وغير ذلك مما ذكرناه دليلا للمشهور مع امكان ان يكون المقصود بأمهم بعضهم البعض المعهود عندهم لا مطلقه ويكون المقصود بذكره على سبيل الاجمال كفقرته السابقة لدفع توهم اعتبار كون السبعة التي يتعين بها موضوع الوجوب العيني ما عدى الامام وكونه خلاف الظاهر غير قادح في مقام التوجيه كما لا يخفى واستدلوا أيضا بموثقة ابن بكير عن زرارة عن عبد الملك عن أبي جعفر عليهم السلام قال قال مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله قال قلت كيف اصنع قالوا صلوا جماعة يعني صلاة الجمعة وفيه ما لا يخفى فإنها أوضح دلالة من صحيحة زرارة المتقدمة على أن أصحاب الأئمة عليهم السلام أيضا كانوا يعتقدون انه لا جمعة الا مع الامام وكانوا يتركونها ولو مع تمكنهم من اقامتها ولذا تحير عبد الملك حين تلهف الإمام عليه السلام على عدم فوزهم بإقامة هذه الفريضة أو لأمه بتركها فقال وماذا اصنع فاذن له الإمام عليه السلام بإقامتها فهذه الرواية لا تدل على جوازها بلا اذن الإمام (ع) فصلا عن وجوبها عينا مع أن قوله (ع) صلوا جماعة ليس صريحا في إرادة الجمعة فلعله أراد به الظهر جماعة لكونها بمنزلة ميسور الجمعة مع امكان ان يكون المراد به الامر بالجماعة مع المخالفين وكيف كان فهذه الرواية أيضا كجملة من أدلتهم المزبورة من أقوى الأدلة على عدم وجوبها عينا والا لامتنع ان لا يعرفه أصحاب الأئمة عليهم السلام أو يواظبون على تركها كما هو واضح وربما ذكروا أيضا عند تعداد أدلتهم اخبار اخر يظهر حالها ما مر واستدل لهم أيضا باستحباب الوجوب وفيه ما لا يخفى فان ما علم وجوبه في السابق هي الجمعة مع الامام أو منصوبه وهذا مما لا شبهة في بقائه واما وجوبها مع غيره فلم يثبت فمقتضى الأصل عدم شرعيتها أو عدم وجوبها على تقدير ثبوت مشروعيتها وتوهم ان مقتضى الأصل (ح) الاحتياط والجمع بين الظهر والجمعة أو خصوص الجمعة على تقدير ثبوت شرعيتها لكونه شكا في المكلف به فيجب معه الاتيان بكلتيهما أو خصوص الجمعة إذ لا يحصل القطع بفراغ الذمة عن الفريضة الواجبة عليه الا بذلك مدفوع بأنه لا شبهة في شرعية الظهر ووجوبها على من لم يكن
(٤٤١)