وان اتفقت فيها آراء جميع الاعلام كبعض المسائل المبتنية على مبادئ عقلية أو النقلية القابلة للمناقشة ورب مسألة يحصل فيها الجزم بالموافقة ولو من الشهرة وما نحن فيه من هذا القبيل بل يكفي في الجزم بعدم الوجوب في مثل المقام وجود خلاف يعتد به فيه لقضاء العادة بأنه لو كانت الجمعة بعينها واجبة على كل مسلم لصارت من الصدر الأول من زمان النبي صلى الله عليه وأهله كغيرها من الفرائض اليومية من ضروريات الدين فان غالب المسلمين من أهل البوادي والقرى في أغلب أوقاتهم لم يكن يمكنهم حضور الجمعة التي يقيمها السلطان أو منصوبه فلو كان تكليفهم الجمعة عينا لبين لهم النبي صلى الله عليه وآله من صدر الاسلام كغيرها من الفرائض ولأقاموها في كل جمعة في محالهم فلم يكن يختفي ذلك على نسائهم وصبيانهم فضلا عن أن يشتهر القول بعدم وجوبها أو عدم شرعيتها بين الخاصة والعامة أو ينعقد اجماعهم على ذلك فالانصاف انه لا يكاد يوجد فروع في الفقه يمكن استكشاف رأي المعصوم فيه بالحدس من باب الملازمة العادية من اجماع العلماء أوضح من المقام الثالث ما عن المنصف (ره) من أنه احتج بفعل النبي صلى الله عليه وآله فإنه كان يعين لامامة الجمعة وكذا الخلفاء بعده كما يعين للقضاء فكما لا يصح ان ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون اذن الامام فكذا امام الجمعة قال وليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل المستمر في الاعصار فمخالفته خرق للاجماع انتهى وأجيب عنه بمنع دلالة فعل الني صلى الله عليه وآله على الشرطية فإنه أعم منها والعام لا يدل على الخاص معان الظاهر أن التعيين انما هو لحسم مادة النزاع في هذه المرتبة ورد الناس إليه من غير تردد كما أنهم كانوا يعينون لامامة الجماعة والأذان مع عدم توقفهما على اذن الامام اجماعا أقول بعد الغض عن أن كون وجوبها بلا نصب امام مادة للنزع هو في حد ذاته دليل مستقل على في لوجوب كما سنوضحه انه لو كان غرض المستدل الاستدلال بمحض جريان سيرة النبي صلى الله عليه وآله والخلفاء بعده على نصب الإمام للجمعة كما قد يترائى من عبارته لكان للمناقشة فيه مجال ولكن الظاهر أن غرضه الاستدلال بما جرت عليه السيرة من تعيين الامام للجمعة في عصر النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده وعدم انعقاد الجمعة الا بمن عينوه له كما يشهد بذلك الآثار التي سنشير إليها فلو كان وجوبها عينا على كل مسلم من غير اشتراطه بوجود اما منصوب من قبل الوالي لما استقرت السيرة على اختصاص اقامتها بالمعين بل كانت السيرة تجرى على اقامتها في كل بلدة أو قرية أو بادية مشتملة على عدة بيوت من المسلمين بمقدار ما يمكن إقامة الجمعة فيها لا على عكسه فهذا من أقوى الشواهد على المدعى ولذا عول عليه كثير من الفحول الرابع طوائف من الأخبار منها المستفيضة الدالة على وجوب السعي إليها على من كان منها على فرسخين وعدم وجوبها على من بعد عنها بفرسخين مثل صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام الجمعة واجبة على من أن صلى الغداة في أهله أدرك الجمعة الحديث وفي خبر فضل بن شاذان عن الرضا (ع) انما وجبت الجمعة على من يكون على فرسخين لا أكثر وفي صحيحة محمد بن مسلم قال سئلت أبا عبد الله (ع) عن الجمعة فقال تجب على من كان فيها على فرسخين فان زاد على ذلك فليس عليه شئ إلى غير ذلك من الروايات الدالة عليه وتقريب الاستدلال ان المقصود بهذه الأخبار ليس بيان حكم عابري السبيل ونحوه بل حكم سكنة القرى والبراري والأمصار البعيدة عن المصر الذي يقام فيه الجمعة كما لا يخفي على من تدبر فيها (فح) يدل على المدعى بوجهين أحدهما انه لو جاز عقدها بلا اذن لم يتعين على من بعد عنها بفرسخين السعي إليها بل كان لمن بعد عنها بثلاثة أميال ان يعقدها في مكانه مع نفر من أهله من غير أن يتحمل هذه المشقة الشديدة الا ان يقال إن الروايات انما تدل على وجوب السعي عليه ان لم ينعقد هناك جمعة فلا ينافي ذلك جواز عقدها له في محله ثانيهما سقوطه عمن بعد عنها بفرسخين كما هو صريح الأخبار فلو كان وجوبها عينا من غير اشتراطه بامام خاص لوجوب على البعيدين الاجتماع والجمعة في أماكنهم ولا يصح تنزيل الأخبار على إرادة السقوط فيما إذا لم يوجد في تلك الأماكن وما حولها إلى فرسخ أو فرسخين عدة اشخاص من المسلمين ينعقد بهم الجمعة لأنه فرض بعيد لا يصح تنزيل اطلاق الأخبار عليه وتوهم جرى الأخبار مجرى الغالب من عدم وجود من يصلح للإمامة فيهم فانا وان لم نقل باشتراط كونه منصوبا ولكن يشترط فيه معرفة الخطبة وأهليته للإمامة بان يكون عدلا مرضيا جامعا لشرائط الإمامة فلا يكفي في تنجز التكليف بالجمعة مجرد وجود عدة رجال من المسلمين في البلد أو القرية البعيد عن المصر الذي يقام فيه الجمعة ما لم يكن فيهم من يخطب بهم مدفوع بأنه على تقدير كونها واجبا عينا يجب امامتها عليهم كفاية ويصير معرفة الخطبة وتحصيل شرائط الإمامة من المقدمات الوجودية للواجب المطلق فيجب على كل منهم تحصيلها كغيرها من الواجبات الكفائية هذا مع أن الغالب وجود أئمة الجماعة في سائر الأماكن خصوصا في تلك الاعصار التي كان المتعارف عندهم ايتمام بعض ببعض مطلقا كما أن الغالب تمكن كل من يقدر على فعل الصلاة على الاتيان بأقل المجزي من الخطبتين فضلا عن أئمة الجماعة كما ستعرف فلا يصح (ح) اطلاق نفي الوجوب عنهم مع أن الغالب تمكنهم من اقامتها في محالهم على تقدير في لاشتراط ومن هنا يظهر صحة الاستدلال للمدعي بالأخبار النافية لوجوبها عل أهل القرى اما مطلقا كما في رواية حفص بن غياث عن جعفر عن أبيه قال ليس على أهل القرى جمعة ولا خروج في العيدين أو على تقدير ان لم يكن لهم من يخطب بهم كصحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما قال سئلته عن أناس في قرية هل يصلون الجمعة جماعة قال نعم يصلون أربعا إذا لم يكن من يخطب وصحيحة الفضل بن عبد الملك قال سمعت أبا عبد الله (ع) يقول إذا كان قوم في قرية صلوا الجمعة أربع ركعات فإن كان لهم من يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر وانما جعلت ركعتين لمكان الخطبتين إذا المراد بمن يخطب لهم اما المنصوب لذلك من قبل الوالي فيتم المطلوب أو مطلق من يقوم بهذه الوظيفة لا مطلق من يقدر عليه لما أشرنا إليه من قضاء العادة بان كل من يقدر على فعل الصلاة يتمكن على الاتيان بأدنى ما يجري من الخطبتين فلو كان وجوبها عينا لكانت معرفة الخطبة التي هي ميسورة لكل أحد وكذا أدائها واجبا كفائيا على الكل فلا يصح (ح) تعليق وجوبها على وجود يخطب فإنه (ح) بمنزلة ما لو قال يجب الصلاة على الميت ان كان فيهم من يصلي عليه وأوضح منها دلالة عليه رواية طلحة بن زيد عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السلام قال لا جمعة الا في مصر تقام فيه الحدود وحمل هذه الرواية وكذا الرواية الأولى النافية لوجوبها على أهل القرى (مط) على التقية لموافقة اشتراط اقامتها في المصر لمذهب
(٤٣٧)