فالبلد الذي قد كان ناويا للإقامة فيه بخروجه عنه ساوى غيره بالنسبة إليه وفيه انه بعد البناء على كون الإقامة قاطعة للسفر واحتياج العود إلى التقصير إلى استيناف سفر جديد جامع لشرائط التقصير لا بد في تحقق التقصير من تلبسه بقطع مسافة يعد عرفا من اجزاء سفره الجديد البالغ حد التقصير وليس الخروج إلى ما دون المسافة ممن هو مقيم في بلد لا بنية الارتحال من ذلك البلد بل لقضاء بعض مقاصده المتعلقة بذلك المكان والعود إلى محل إقامته معدودا في العرف جزء من سفره الذي قصد انشائه بعد العود إلى محل إقامته فمن نوى الإقامة شهر رمضان في النجف الأشرف مثلا ثم بداله ان يستجير ليلة الأربعاء في مسجد السهلة أو يزور مسلما مثلا لا يعد خروجه إلى مسجد السهلة أو الكوفة عرفا ولا شرعا من حيث هو سفرا ولا جزء من سفره الذي هو عازم على انشائه بعد انقضاء الشهر سواء تخلل بين رجوعه من السهلة أو الكوفة وبين ذلك السفر إقامة عشرة أم لا فهو حركة خارجية واقعة في أثناء اقامته كذهابه إلى السوق لشراء اللحم لا يعد في العرف جزء من سفره سواء قلنا بمنافاته لصدق اسم الإقامة في البلد أم لا إذا المنافاة للصدق مانعة عن حصول الإقامة لو كان عازما على ايجاده في أثناء العشرة لا انها موجبة لصيرورته مسافرا بعد انقطاع سفره السابق بنية الإقامة كما لا يخفى فما يقال من أنه بعد وصوله إلى ذلك المكان أي مسجد السهلة مثلا يصدق عليه انه عازم على أن يسير من هذا المكان إلى النجف ومنه إلى أهله فإذا كان مجموعه مسافة صدق عليه انه عازم على قطع المسافة من دون تخلل إقامة فيثبت حكمه وهو التقصير مدفوع بان التقصير هو حكم السفر البالغ هذا الحد لا مطلق السير ولو لم يعد في العرف سفرا ولا جزء من سفر ولذا اعترف غير واحد بأنه لو تكرر خروجه إلى ما دون المسافة بان صار عزمه ما دام باقيا في هذا البلد ان يخرج كل يوم أو كل أسبوع إلى ما دون المسافة لا يحتسب جزء من سفره الذي هو عازم عليه من غير تخلل إقامة الا الفرد الأخير الذي يتعقبه الخروج إلى المسافة دون ما تقدمه لعده ارتباطه عرفا بسفره بل في مفتاح الكرامة نقل عن الفاضل الصيمري في كشف الالتباس أنه قال إن كثيرا من الناس جهلوا مراد المصنفين بقولهم فان عاد لا بنية الإقامة قصر وصلوا عن الطريق الواضح المستبين فزعموا أن مرادهم انه إذا خرج بعد الإقامة إلى ما فوق الخفاء ودون المسافة بنية العود إلى موضع الإقامة لا يجوز له الاتمام الا مع نية الإقامة عشرة أخرى مستأنفة ولو عاد بغير نية إقامة عشرة مستأنف عزمه الخروج ثانيا إلى فوق الخفاء ودون المسافة لا يجوز له الاتمام ويجب عليه التقصير وهو جهل وضلالة بمراد المصنفين لان مرادهم بذلك القول هو ما إذا كان قصده بعد الرجوع الخروج إلى مسافة ولو كان قصده الخروج ولو كل يوم إلى ما دون المسافة لم يجز له التقصير باجماع المسلمين لما عرفت من أن نية الإقامة عشرا مع الصلاة تماما ولو فريضته واحدة تقطع السفر وتوجب الاتمام حتى يقصد مسافة أخرى وقد صرح به الأصحاب في مصنفاتهم قال الشهيد في دروسه لو خرج بعد عزم الإقامة وقد صلى تماما اشترط مسافة أخرى وقال في بيانه ولو خرج بعدها اعتبرت المسافة وقال العلامة في تذكرته ونهايته لو نوى مقام عشرة أيام في بعض المسافة انقطع سفره فان خرج إلى نهاية السفر فإن كان بين موضع الإقامة ونهاية السفر مسافة قصر والا فلا ثم قال فعلى هذا لو خرج كل يوم إلى ما فوق الخفاء ودون المسافة فهو باق على الاتمام حتى يخرج بقصد مسافة فإنه يقصر عند الخفاء ولو عاد بقصد الخروج قبل العشرة إلى مسافة قصر عند الشهيد والمصنف وعند الخروج على مذهب العلامة والمحقق فقد تحقق الصواب وزال الارتياب انتهى ولكن في مفتاح الكرامة بعد نقل هذا الكلام عنه قال فليقض العجب منه إذ هذا التفصيل لم يعرف لاحد قبله وهو قريب من قول الأردبيلي وأعظم شئ نقله اجماع المسلمين على مذهب شاذ نادر لم نعرف قائلا به سواه انتهى وأشار بقول الأردبيلي إلى ما نقله عنه من أنه قال في مجمع البرهان وان لم يقصد مسافة بل أقل فمع نية الإقامة هناك أيضا فلا شك في وجوب الاتمام و اما مع عدمها فيكون قاصدا للرجوع مع في لإقامة المستأنفة أو مترددا أو ذاهلا فالظاهر وجوب الاتمام مطلقا الا ان يكون في نفسه السفر إلى بلد يكون مسافة بعد العود وقبل الإقامة ويكون بالخروج عن بلد الإقامة قاصدا ذلك البلد بحيث يقال إنه مسافر إلى ذلك البلد الا ان له شغلا في موضع فيقضى شغله ثم يرجع إلى بلد الإقامة فح يكون مقصرا بمجرد الخروج إلى محل الترخص مع نية العود ثم قال وبالجملة الحكم تابع لقصده فان صدق عليه عرفا انه مسافر وتحققت شرائط القصر قصر والا أتم انتهى أقول قد ظهر بما مر ان ما حققه المحقق الأردبيلي من دوران التقصير مدار تلبسه بما يعد عرفا جزء من المسافة المقصودة التي بها يصير المسافر مسافرا شرعا وعرفا هو الذي يقتضى التحقيق وان كان فيما ذكره من المثال مناقشة في الصغرى نعم قد يتحقق الصدق العرفي بخروجه من بلد الإقامة فيما إذا كان خروجه من بلد الإقامة بقصد الرجوع إلى بلده مثلا ولكن يجعل طريقه على ذلك المقصد على وجه يكون مروره إلى مقصده وعوده إلى محل إقامته على سبيل الاستطراق في أثناء المسافة الدورية مثلا بحيث لا يعد ذهابا وايابا ولا سيرا مستقلا غير مربوط بما بعده كما أنه قد يتحقق الصدق العرفي من حين اخذه في الاياب إذا تعلق قصده بالمسافرة من مقصده إلى مسافة يقع محل إقامته في أثناء طريقه أو يجعل طريقه على محل إقامته ليأخذ رحله ومتاعه مثلا والحاصل ان صور المسألة مختلفة ففي بعضها يتحقق الصدق العرفي من حين الخروج وفي بعضها من حين الاياب وفى بعضها من محل الإقامة بعد العود وهذا هو الغالب الذي ينصرف إليه اطلاق كلماتهم في عنوان المسألة ولعله لذا اطلق بعض متأخري المتأخرين على ما نسب إليهم القول بالاتمام حتى يخرج بعد العود من محل الإقامة بقصد المسافة ولعله إلى ما قويناه من التفصيل أشار شيخنا المرتضى ره في حاشية نجاة العباد حيث قال المسألة ملتبسه جدا والاحتياط في جميع صور عدم قصد الإقامة بعد العود الجمع في الذهاب والمقصد والعود وان كان الاتمام في بعض الصور والقصر في بعضها الاخر لا يخلو عن قوة انتهى ولا يخفى عليك ان ما اخترناه من التفصيل وان كان مخالفا بظاهره للمشهور الا ان المخالفة انما هو في الصغرى لا في أصل الحكم كما نبه عليه الشهيد الثاني فيما حكى من نتائج أفكاره بعد ان وافق القائلين بالاتمام في ذهابه ومقصده وفصل في القصر في الرجوع من المقصد إلى محل الإقامة بين ما إذا كان المقصد الخارج إليه في الجهة المقابلة لجهة بلده أو مخالفة حيث لا يتحقق بالذهاب إليه القرب من بلده وفي الرجوع منه إلى محل الإقامة البعد من بلده فوافق المشهور ح في التقصير وبين ما إذا كان المقصد في طريق الرجوع إلى بلده أو في غير طريقه لكن في جهة يقرب بالذهاب إليه من بلده ويبعد بالعود منه إلى محل الإقامة من بلده فيتم ح في العود من بلده لان العود إلى موضع الإقامة ح لا يعد رجوعا إلى البلد قال ما حاصله انه لو قيل هذا التفصيل خرق للاجماع المركب من قولين المتقدم ذكره قلنا ممنوع خرقه بل القائل به أكثر من أهل القولين لأنهم اسلقونا
(٧٦٧)