المتقدمة في مسألة من رجع عن نية الإقامة بعد ان صلى صلاة تامة وجوبه بمجرد الخروج وفيه بعد الغض عن مخالفته للاجماع على قاطعية الإقامة للسفر واحتياج العود إلى التقصير إلى قطع مسافة جديدة كما ادعاه غير واحد ما عرفت في محله من دلالة صحيحة زرارة الواردة فيمن قدم قبل التروية بعشرة أيام على ذلك بل هي بملاحظة التفريع الواقع من الاتمام بمكة ومنى كالنص في ذلك الا انه قد يقال بمخالفة هذه الفقرة بظاهرها للاجماع فيشكل الاعتماد عليها وسيأتي بعض الكلام فيه انشاء الله واما صحيحة أبى ولاد فعلى خلاف مطلوبه أدل إذ المتبادر من قوله وان كنت دخلت المدينة وصليت بها صلاة فريضة واحدة بتمام فليس لك ان تقصر حتى تخرج عنها إرادة المفارقة والارتحال عنها لا مطلق الخروج بل مقتضى اطلاقها عدم ككون الخروج الذي لا يتحقق به صدق اسم الارتحال والمسافرة عنها قادحا كما لا يخفى على المتأمل وكيف كان فهذا مما لا اشكال فيه وانما الاشكال فيما إذا عزم على العود دون الإقامة فان هذا مما اختلفت الأقوال فيه ولكن صرح غير واحد بان هذه المسألة لم تكن معنونة في كلمات القدماء وانما وقع التعرض له في كلمات الشيخ ومن تأخر عنه قال في مفتاح الكرامة وأول من تعرض لهذه المسألة الشيخ في المبسوط إذ لم أجده في كلام من تقدمه بعد فضل التتبع وتوفر الكتب وقد اعترف بذلك الصيمري في كشف الالتباس والشهيد الثاني في نتايج الأفكار وصاحب الحدائق قال في المبسوط ما نصه إذا خرج حاجا إلى مكة وبينه وبينها مسافة تقصير فيها الصلاة ونوى ان يقيم بها عشرة قصر في الطريق فإذا وصل إليها أتم وان خرج إلى عرفة يريد قضاء نسكه لا يريد مقام عشرة أيام إذا رجع إلى مكة كان عليه التقصير لأنه نقض مقامه بسفر بينه وبين بلده يقصر في مثله وان كان يريد إذا قضى نسكه مقام عشرة أيام بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافرا فيقصر هذا على قولنا بجواز التقصير بمكة فاما ما روى من الفضل في التمام فإنه يتم على كل حال غير أنه يقصر فيما عداها من عرفات ومنى وغير ذلك الا ان ينوى المقام عشرا فيتم ح على ما قدمناه انتهى ولا يذهب عليك ان ايجابه الاتمام على تقدير قصد الإقامة في الرجوع يدفع ما عساه يقال إن الخروج إلى عرفة لا يدخل في الخروج إلى ما دون المسافة وان خلا عن قصد الرجوع ليومه لأنها أربعة فراسخ إذ لو كان كذلك لما كان للتفرقة وجه انتهى عبارة مفتاح الكرامة وظاهر الكلام المحكى عن الشيخ وجوب التقصير عليه ما لم يعزم على إقامة مستأنفة مطلقا في ذهابه وايابه ومقصده وموضع اقامته وقد وافقه في ذلك غير واحد ممن تأخر عنه بل عن الذكرى بعد نقل كلام الشيخ قال وقد تبعه عليه المتأخرون وان عمم بعضهم العبارة من غير تخصيص بمكة زادها الله شرفا خلافا لصريح آخرين فخصوا التقصير بالإياب وموضع الإقامة دون الذهاب والمقصد نظرا إلى أن تلبسه بقطع المسافة المعتبرة شرعا انما هو من حين اخذه في الاياب واما الذهاب والمقصد فإنما يتجه التقصير فيه لو صح ضمه إلى الاياب مع أن ظاهرهم الاتفاق على عدم ضم الذهاب إلى الاياب الا في الأربعة مع قصد الرجوع ليومه أو مطلقا على الخلاف المتقدم ولكن قد يظهر من بعض متأخري المتأخرين موافقة الشيخ اما بناء منه على كفاية المسافة الملفقة مطلقا اخذا باطلاق أدلته والمنع عن تحقق اجماع أو قيام دليل مقتض فتقييده بخصوص الأربعة أو مع تسليمه الاجماع ولكن في المسافة الابتدائية دون مثل المقام الذي يكون الذهاب بنفسه مسافة ولكنه انقطع لاحقه عن سابقه بإقامة ونحوها فلم يسلم الاجماع هيهنا أو التزم بعدم جواز التلفيق مطلقا فيما دون الأربعة أو في الأربعة أيضا ما لم يرجع ليومه ولكن في سببية المجموع للتقصير لا في ثبوت حكم السفر له فأوجب عليه التقصير في الذهاب أيضا إذا كان الاياب بنفسه مسافة لا بضميمة ما بقي من الذهاب بدعوى ان المدار في التقصير على تلبسه بسفر مشتمل على قطع ثمانية امتدادية عن قصد سواء كانت الثمانية في ذهابه أو ايابه فكما انه لو قصدان يسير إلى بلد يبلغ الثمانية ويرجع عنه بمقدار فرسخ أو فرسخين ثم يقيم لا يلاحظ الرجوع مسافة مستقلة بل جزء من سفره البالغ حد التقصير فكذا في عكسه ولكنك عرفت في محله ضعف هذه المباني كلها وان المدار في التقصير على التلبس بقطع مسافة بالغة حده الذي هو عبارة عن الثمانية الامتدادية أو الملفقة من أربعة ذاهبا وجائيا واما ما عداها من صور التلفيق فهي خارجة عن منصرف أدلته والمرجع فيها اصالة التمام واما ما قيل من كفاية التلبس سفر مشتمل على الثمانية ولو في ايابه ففيه ان المنساق مما دل على أن التقصير في بريدين انما هو ارادته لدى التلبس بقطع المسافة التي هي سبب للتقصير أي الثمانية لا مطلق السفر المشتمل على قطع ثمانية ولو في ايابه وقياسه على صورة العكس قياس مع الفارق فإنه بعد حصول قطع الثمانية لا يزال مقصرا حتى يرجع إلى وطنه أو ينوى إقامة العشرة فما لم يتحقق أحد الامرين يجب البقاء على ما هو عليه من التقصير ولو لم يتلبس بسير أصلا أو تردد في مقصده لقضاء سائر اشغاله مما لا يعد جزء من سفره فضلا عما لو تلبس بالرجوع الذي هو من اجزاء سفره فلا يقاس عليه مبدء سيره الذي لم يتلبس بعد بقطع المسافة المعتبرة كما لا يخفى وقد تتلخص مما ذكر ان القول بالتقصير مطلقا حتى في الذهاب والمقصد ضعيف نعم قد يتجه ذلك في بعض الفروض الذي سنشير إليه واما المقصد فهو تابع للذهاب فان أوجبنا التقصير فيه يجب في المقصد أيضا والا فلا كما لا يخفى وجهه واما التقصير في الاياب فيظهر من بعضهم التسالم عليه بل عن بعض نفى الخلاف فيه بل عن ظاهر غير واحد أو صريحه دعوى ان القول بالاتمام في رجوعه مخالف للاجماع ولكنك قد عرفت ان هذا الفرع لم يكن مغبونا في كلمات القدماء وانما وقع التعرض لحكمه في كلام الشيخ ومن تأخر عنه على سبيل التفريع والتخريج على القواعد الكلية المسلمة عندهم فلا اعتداد بمثل هذا الاجماع على تقدير تحققه بعد وضوح مستند المجمعين ولذا لم يعتد به غير واحد من متأخري المتأخرين فأوجبوا التمام في الاياب أيضا وفاقا للمحكى عن العلامة في جواب المسائل المهنائية وذلك أن الشريف العلوي سئله عمن نوى المقام في الحلة ثم زار الحسين عليه السلام في عرفة ثم عاد إلى الحلة يريد التوجه إلى زيارة أمير المؤمنين ع في يوم الثامن عشر من ذي الحجة هل يقصر في الحلة أم يتم فأجاب عنه بما نصها جعل الشارع الاتمام على من نوى المقام في بلاد الغربة عشرة أيام فقد جعل حكم ذلك البلد حكم بلده فالمقيم عشرة أيام في الحلة يجب عليه الاتمام فإذا خرج إلى مشهد الحسين ع فقد خرج إلى ما دون المسافة فلا يجوز له القصر فإذا نوى العود إليه كان كما لو نوى العود إلى بلده من دون مسافة القصر فإذا عزم على السفر إلى مشهد أمير المؤمنين ع وجب عليه القصر بالشروع فيه انتهى وقد نسب أيضا إلى ولده فخر المحققين في بعض الحواشى المنسوبة إليه وربما فصل بعض بين صور المسألة كما ستعرف وكيف كان فمستند الحكم بالتقصير في ايابه ان هذا الشخص حال رجوعه قاصد للمسافة لأنه عازم على الرجوع إلى بلده اما الان أو بعد مروره وتوقفه في محل إقامته ايابا دون العشرة
(٧٦٦)