العرف بمعنى انه جعل نفسه في هذه العشرة من المقيمين في البلد بان هذا موضعه ومكانه ومحله مثل أهله فلا ينصره السير في الجملة إلى البساتين والتردد في البلد وحواليه ما لم يصل إلى موضع بعيد بحيث يقال إنه ليس من المقيمين في البلد وكذا لو تردد كثيرا أو دائما في المواضع البعيدة في الجملة ولا يبعد عدم ضرر الخروج إلى محل الترخص أحيانا لغرض من الاغراض مع كون المسكن والمنزل في موضع معين لصدق إقامة العشرة عرفا المذكورة في الروايات انتهى واستجوده كثير ممن تأخر عنه واما القول الذي أشار إليه بقوته أو يكفي في لسفر إلى مسافة فربما نسب إلى فخر المحققين ومنشأ النسبة ما عن الشهيد الثاني في نتائج الأفكار أنه قال وفي بعض الحواشى المنسوبة إلى الامام فخر الدين بن المطهر قدس سره عدم قطع نية الخروج إلى القرى المتقاربة والمزارع الخارجة عن الحدود لنية الإقامة بل يبقى على التمام سواء قارنت النية الأولى أم تأخرت وسواء نوى بعد الخروج إقامة عشرة مستأنفة أم لا انتهى وفي مفتاح الكرامة بعد ان ذكر نسبة هذا القول إلى فخر الاسلام قال وهو خيرة الوافي والاسناد قدس سره في المصابيح انتهى ولكن يظهر من صدر كلامه عند تعداد الأقوال في المسألة ان القائلين بهذا القول يشترطون الرجوع إلى محل إقامته ليومه أو ليلته فيغلب على الظن رجوع هذا القول إلى القول الثاني أي الاكتفاء بالصدق العرفي الذي اختاره للمحقق الأردبيلي وغيره فكان هؤلاء الجماعة يرون عدم كون الخروج إلى ما دون المسافة مع الرجوع ليومه أو ليلته منافيا لصدق الإقامة في البلد عرفا فلو كان لهم نزاع مع المحقق الأردبيلي وغيره ممن نسب إليهم القول بالإقامة العرفية ففي الصغرى لكن في حاشيته المدارك للمحقق البهبهاني بعد اختياره القول بالإقامة العرفية قال ومن الفقهاء من اكتفى في قصد الإقامة في لسفر إلى المسافة المعتبرة ثم علله بالروايتين الآتيتين اللتين لو تمت دلالتهما لدلتا على عدم اعتبار الصدق العرفي أيضا وكيف كان فالذي يمكن ان يستدل به لهذا القول أمران أحدهما دعوى انصراف الإقامة الواردة في النصوص بقرينة مقابلتها في جملة منها بقوله غدا اخرج أو بعد غد أو يقوله ارتحل غدوة كما في بعضها إرادة التوقف وترك الارتحال من ذلك المكان بالمضي في سفره لا الإقامة الحقيقية وفيه ان المقابلة الواقعة في هذه الروايات لأجل جريها مجرى الغالب لا تصلح قرينة لصرف الإقامة الواردة في هذه الروايات عن ظاهرها فضلا عن غيرها من الروايات المتضمنة البيان هذا الحكم الخالية عن هذه المقابلة ثانيهما بعض الروايات الواردة في الإقامة لخبر محمد بن إبراهيم الحضيني قال استأمرت أبا جعفر ع في الاتمام والتقصير قال إذا دخلت الحرمين فانو عشرة أيام وأتم الصلاة فقلت له انى اقدم مكة بيوم أو يومين أو ثلاثة قال انو مقام عشرة أيام وأتم الصلاة وفيه بعد تسليم سنده ان الاستدلال به انما يتم بناء على عدم كون الخروج إلى عرفات مسافة التقصير والا فلا خلاف على الظاهر في أن الخروج إلى المسافة مبطل للإقامة وقد عرفت ان القول بكون الخروج إلى عرفات مسافة التقصيرة يخلو من قوة فالأولى رد علم هذه الرواية إلى أهله وصحيحة زرارة عن الصادق عليه السلام قال من قدم قبل التروية بعشرة أيام وجب عليه اتمام الصلاة وهو بمنزلة أهل مكة فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير فإذا زار البيت أتم الصلاة وعليه اتمام الصلاة إذا رجع إلى منى حتى ينفر فإنه ع حكم بوجوب الاتمام على من قدم مكة قبل التروية بعشرة أيام مطلقا سواء خرج من مكة أم لا وان حاله حال أهل مكة ثم قال ع فإذا خرج إلى منى وجب عليه التقصير الحديث وهذا يدل على أن سفر عرفات موجب للمقصر ومع ذلك لا يبطل قصد الإقامة ولذا أوجب عليه الاتمام حين رجوعه لزيارة البيت وخروجه إلى منى كما هو الشأن في أهل مكة وعدم هدم سفر عرفات للإقامة لعله لكون هذا السفر ليس مسافة القصر على سبيل الوجوب العيني وعلى تقدير ان يكون هذه المسافة أيضا هادمة للإقامة أو يكون القصر فيها على الوجوب العيني فلا بد من تقدير نية الإقامة في الرجوع أيضا تنزيلا له على الافراد الغالبة هكذا قيل في تقريب الاستدلال وفيه ما لا يخفى ضرورة ورود اطلاق قوله من قدم قبل التروية بعشرة أيام الخ مورد الغالب من كونه ناويا للإقامة إلى يوم التروية والا فلا يكفي مجرد قدومه ما لم يكن من قصده الإقامة في مكة جزما وتحقق قصد الإقامة مع الخروج إلى ما دون المسافة بل إلى حد الترخص أول الكلام واما تنزيله منزلة أهله فإنما هو بعد تحقق الإقامة والكلام انما هو فيما به تتحقق الإقامة فعدم كون الخروج إلى عرفات مبطلا للإقامة السابقة ان سلم فهو غير مجد في المقام فإنه مسألة أخرى أجنبية عن هذه المسألة سيأتي التكلم فيه عند تعرض المصنف له انشاء الله مع أن ما في الصحيحة من تقييد القدوم قبل التروية بعشرة أيام في قوة التصريح يكون الخروج في أثناء العشرة إلى عرفات منافيا للإقامة التي يعتبر قصدها التي هي محل الكلام كما لا يخفى واما توجيه ما فيه من الامر بالاتمام عند رجوعه لزيارة البيت وعوده إلى منى بعد الالتزام ببطلان اقامته السابقة بخروجه إلى عرفات بحمله على الغالب من قصد إقامة مستأنفة فيه انه تأويل لا يصح التعويل عليه في اثبات مثل هذا الحكم المخالف للمشهور واضعف منه الاستشهاد له بموثقة إسحاق بن عمار قال سألت أبا الحسن ع عن أهل مكة إذا زاروا عليهم اتمام الصلاة قال نعم قال المقيم يمكنه إلى شهر بمنزلتهم بحملها على إرادة ما لو نوى الإقامة قبل خروجه إلى عرفات وبعده فيكون تخصيص الشهر بالذكر لاشتماله على الإقامتين اللتين يتم بهما التشبيه باهله في وجوب الاتمام عليه متى حضرها توضيح الضعف ما تقدمت الإشارة إليه من كونه تأويلا يتسع بابه ولا ينحصر الوجه فيه فالقول بالاكتفاء بعدم السفر إلى المسافة المعتبرة مطلقا على تقدير تحققه ضعيف نعم قد يتجه ذلك فيما إذا لم يكن منافيا للصدق المعرفى كما لو خرج إلى ما دون المسافة لقضاء حاجة ورجع إلى مستقره في وقت قراره ونومه من يومه وليلته بناء على الاكتفاء بالإقامة العرفية كما سيأتي تحقيقه بل قد يتجه على هذا البناء في مثل هذه الأزمنة التي يمكن قطع المسافة في زمان يسير والرجوع إلى مستقره في وقت قراره ونومه بالمراكب الدخانية ونحوها الالتزام بعدم قادحيته بالإقامة لعدم كونه في مثل الفرض مانعة عن الصدق العرفي فليتأمل حجة القول باعتبار في لخروج إلى حد الترخص ان هذا هو معنى الإقامة في البلد حقيقة واطلاق إقامة العشرة على من خرج في أثنائها إلى حد الترخص الذي يتحقق به الغيبوبة عن البلد مبنى على المسامحات العرفية التي لا يصح حمل اللفظ عليها مع امكان ابقائه على حقيقة وفيه ان مقتضى الجمود على مدلول لفظ الإقامة في البلد الالتزام باعتبار في لخروج عن خطة سور البلد لان البلد اسم لمجتمع دوره وما أحاط به سوره ولم ينقل القول بذلك الا عن الفاضل؟ بل ربما يظهر منهم مخالفته للاجماع وقد شنع عليه في الحدائق في ذيل كلامه حيث قال ما لفظه المشهور في كلام الأصحاب اشتراط التوالي في هذه العشرة بمعنى ان لا يخرج من ذلك المحل إلى محل الترخص واما الخروج إلى ما دون ذلك فالظاهر أنه لا خلاف ولا اشكال في جوازه فان المستفاد من الاخبار وكلام علمائنا الأبرار على وجه لا يتداخله الشك والانكار والا ممن لم يعض على المسألة بضرس قاطع ولم يعط التأمل حقه في هذه المواضع ان الحدود الشرعية لكل بلد عبارة عن منتهى سماع اذانها ورؤية من وراء جدرانها وهو الذي يحصل به الترخص من جميع أطرافها وما اشتهر في هذه الأوقات
(٧٥٤)