ان المدار على خروجه عن حد المسافر لا دخوله في حد المقيم في وطنه كي يكون التشكيك في صدق اسم الوطن عليه عرفا موجبا للتشكيك في حكمه فهذا مما لا اشكال فيه بل هو بحسب الظاهر خارج عن موضوع كلماتهم وانما الاشكال فيما إذا كان وراء دار اقامته التي أنشأ السفر منها منزل اخر يقع في أثناء طريقه فهذا مما يختلف حاله في تسميته وطنا له في العرف إذ قد يكون أعد لنفسه منزلا في أثناء الطريق كي ينزل فيه لدى المرور به في أسفاره أو يبقى فيه يوما أو يومين أو أيام لقضاء بعض اشغاله المتعلقة بذلك المكان على وجه لا يخرج به عرفا عن موضوع المسافر وقد يكون اتخذ مقرا لنفسه على أن يقضى بعض عمره في ذلك المكان فربما أعد لنفسه هناك أيضا زوجة ومتعلقات من أثاث بيت ونحوه بحيث مهما حل فيه يرى نفسه حالا في مستقره فهذا أيضا كوطنه الأصلي في خروجه لدى الحلول فيه عن موضوع المسافر ولكن هذا مما يختلف حاله عرفا باعتبار كثرة العلاقة وقلتها وطول البقاء وعدمه فلو فرضنا له في ذلك المكان زوجة دائمية مع ما هو من لوازمه التعيش والاستقرار فيه وخلفها هناك لان يحل عندها مهما مهما تيسر له حلول المقيم في مستقره فقد يعد هذا في العرف بملاحظة ما فيه من الشأنية مقرا له بالفعل قبل ان يصل إليه ويستقر فيه فمتى وصل إليه يرى نفسه مسافرا كي يحتاج في اتمام صلاته إلى نية الإقامة وقد لا تكون علاقته بهذه المثابة فلا يخرج عرفا عن كونه مسافرا بمجرد الوصول إليه الا إذا كثر تردده وإقامته فيه بمقدار معتد به عرفا وقد يكون وطنا له في وقت دون وقت كما إذا اتخذ مقرا لنفسه في أوقات الحر في قلل الجبال ونحوها من الأماكن الباردة التي لا تصلح للاستيطان بها الا في تلك الأوقات فإذا نزل في ذلك المنزل عند مروره به في الشتاء لا يخرج بذلك عن مصداق المسافر وان كان ذلك المكان مملوكا له وقد اتخذه وطنا لنفسه على سبيل الدوام في كل سنة ستة اشهر فما زاد ولكن في غير هذا الفصل وربما لم يتخذه مقرا لنفسه على الاطلاق بل إلى مدة طويلة كسنة أو ستين أو عشر سنوات مثلا لتجارة أو لتحصيل علم ونحوه كالطلاب المجتمعة في النجف الأشرف بقصد تحصيل العلم فان هذه الاشخاص ما دام استقرارهم في هذا البلد على الظاهر لا يعدون لدى العرف متلبسين بالمسافرة بل مقيمين بحيث لو سئل عن حالهم حتى في أوطانهم يقال في حقهم انهم سافروا إلى النجف الأشرف وأقاموا هناك للتحصيل كما أنهم لو خرجوا من النجف لزيارة الحسين عليه السلام يرون مبدء سفرهم ومنتهاه من النجف إلى النجف فهذا الصنف أيضا لا يبعد ان يدعى كونهم بمنزلة أهل البلد في خروجهم عن موضوع المسافر لدى حضورهم فيه ويحتمل قويا ان يكون قوله عليه السلام جوابا عن السؤال الوارد في صحيحة صفوان عن أن أهل مكة إذا زاروا البيت هل عليهم اتمام الصلاة نعم والمقيم إلى شهر بمنزلتهم إشارة إلى ذلك كما أنه يحتمل قويا ان يكون أغلب من فسر الاستيطان بإقامة ستة اشهر مرادهم انه إذا أقام ستة اشهر فما زاد في بلد فهو ما لم يعرض عن اقامته بمنزلة أهل ذلك البلد في خروجه عن موضوع المسافر بمجرد حضوره وهو ليس بالبعيد وان كان الجزم به لا يخلو من اشكال وسيأتي الكلام فيه في مبحث الإقامة انشاء الله وكيف كان فمهما وصل المسافر إلى موضع يراه العرف في ذلك الموضع واصلا إلى أهله ومستقره وجب عليه التمام والا فالقصر الا ان يدل دليل على خلافه وقد ورد في جملة من الاخبار الامر بالاتمام في ملكه وضيعته من غير تقييد بكونه منزلا له كصحيحة إسماعيل بن الفضل قال سألت أبا عبد الله ع عن رجل سافر من ارض إلى ارض وانما ينزل قراه وضيعته قال إن نزلت قراك وضيعتك فأتم الصلاة وان كنت في غير أرضك فقصر ورواية البزنطي قال سألت الرضا ع عن الرجل يخرج إلى ضيعته فيقيم اليوم واليومين والثلاثة أيقصر أم يتم قال يتم الصلاة كلما اتى ضيعة من ضياعه وصحيحة المروية عن قرب الإسناد قال سألت الرضا ع عن الرجل يخرج إلى الضيعة فيقيم اليوم واليومين والثلاثة أيتم أم يقصر قال يتم فيها وصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال قلت لأبي عبد الله ع الرجل يكون له الضياع بعضها يقرب من بعض يخرج ليقيم فيها يتم أو يقصر قال يتم هكذا نقل لفظ الخبر عن الكافي ونقل عن الفقيه والتهذيب أنه قال يطوف بدل يقيم وصحيحة عمران بن محمد قال قلت لأبي جعفر الثاني ع جعلت فداك ان لي ضيعة على خمسة عشر ميلا خمسة فراسخ ربما خرجت إليها فأقيم فيها ثلاثة أيام أو خمسة أيام أو سبعة أيام فأتم الصلاة أو اقصر قال قصر في الطريق وأتم في الضيعة بل قد يظهر من موثقه عمار المتقدمة كفاية مطلق الملك في وجوب التمام ولو نخلة واحدة ولكن هذه الأخبار معارضته برواية موسى بن حمزة بن بزيع قال قلت لأبي الحسن ع جعلت فداك ان لي ضيعة دون بغداد فأخرج من الكوفة أريد بغداد فأقيم في تلك الضيعة اقصر أم أتم فقال إن لم تنو المقام عشرا فقصر ورواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله ع قال من اتى ضيعة له ثم لم يرد المقام عشرا قصر وان أراد المقام عشرة أيام أتم الصلاة وصحيحة علي بن يقطين قال قلت لأبي الحسن ع الرجل يتخذ المنزل فيمر به أيتم أم يقصر فقال كل منزل لا تستوطنه فليس لك بمنزل وليس لك ان تتم فيه وصحيحة الحلبي عن أبي عبد الله ع في الرجل يسافر فيمر بالمنزل له في الطريق يتم الصلاة أو يقصر قال يقصر انما هو المنزل الذي توطنه وصحيحة سعد بن أبي خلف قال سأل علي بن يقطين أبا الحسن الأول ع عن الدار يكون للرجل بمصر أو الضيعة فيمر بها قال إن كان مما سكنه أتم الصلاة فيه وان كان مما لم يسكنه فليقصر وصحيحة علي بن يقطين قال قلت لأبي الحسن الأول ع ان لي ضياعا ومنازل بين القرية والقرية الفرسخ والفرسخان والثلاثة فقال كل منزل من منازلك لا تستوطنه فعليك فيه التقصير وصحيحة أخرى لعلي بن يقطين أيضا قال سألت أبا الحسن الأول ع عن الرجل يمر ببعض الأمصار وله بالمصر دار وليس المصر وطنه أيتم الصلاة أم يقصر قال يقصر الصلاة والضياع مثل ذلك إذا مر بها وصحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن الرضا ع قال سألته عن الرجل يقصر في ضيعته قال لا باس ما لم ينو مقام عشرة أيام الا ان يكون له فيها منزل يستوطنه فقلت ما الاستيطان فقال إن يكون له فيها منزل يقيم فيه ستة اشهر فإذا كان كذلك يتم متى يدخلها وربما قيل في توجيه الأخبار الدالة على وجوب الاتمام في ضيعته وملكه مطلقا تقييدها بنية الإقامة أو الاستيطان ستة اشهر جمعا بينها وبين غيرها من الاخبار المزبورة وفيه ما لا يخفى من ابائها عن هذا التقييد وكون بعضها نصا في عدم نية الإقامة وكالنص في عدم كونها وطنا له مع أن المتبادر من الاخبار الامرة بالاتمام كونها مسوقة لبيان ان الملكية من حيث هي موجبة للاتمام فهي مناقضته للروايات
(٧٣٨)