الإقامة التي علم كونها من القواطع على نسق واحد فغايته الاشعار بمساواتهما في الجهة المقتضية للاتمام أي القاطعية للسفر واما الدلالة فلا هذا ولكن الانصاف ان المنساق إلى الذهن من الامر بالاتمام مع نية الإقامة أو البقاء مع التردد ثلثين يوما في بلد بواسطة المناسبة المغروسة في الذهن ليس الا انقطاع اثر السفر بطول مكثه وإقامته في ذلك البلد نظير انسباق النجاسة من الامر بغسل الثوب الملاقى للخمر مثلا فان بقاء المسافر على التقصير والافطار بعد استقراره وإقامته في بلد مدة مديدة هو في حد ذاته امر مستبعد لا يكاد يفهم ارادته من الأوامر المطلقة بالتقصير ولذا كثر السؤال في الاخبار عن المسافر الذي أقام في بلد عدة أيام حتى أنه ربما يستشعر من صحيحة معاوية انه تعجب من امر الامام ع ببقائه على التقصير ما بينه وبين شهر ما لم يجمع على عشرة فقال دخلت بلدا أول يوم من شهر رمضان و لست أريد ان أقيم عشرا قال قصر وافطر قلت له فانى مكثت كذلك أقول غدا أو بعد غد فأفطر الشهر كله واقصر قال نعم الحديث وفي الصحيح عن زرارة عن أبي جعفر قال قلت أرأيت من قدم بلدة إلى متى نبغي له ان يكون مقصرا ومتى ينبغي له ان يتم قال إذا دخلت أرضا فأيقنت ان لك بها مقام عشرة أيام فأتم الصلاة فإن لم تدر ما مقامك بها تقول غدا اخرج أو بعد غد اخرج فقصر ما بينك وبين ان يمضى شهر الحديث فإنه ينسبق إلى الذهن من الامر بالاتمام في مثل هذه الموارد انقطاع اثر السفر ومن الامر بالتقصير بقائه ولذا اشتهر بين الأصحاب الاستدلال بمثل هذه الأخبار لاثبات القاطعية ولم يناقش فيها عدى بعض المدققين من المتأخرين هذا كله مع أن الأدلة الامرة بالتقصير في السفر قد خصصت بنية الإقامة والبقاء مترددا ثلثين يوما وليس لها عموم أحوالي بحيث يفهم منه حكمة بعد خروجه عن محل الإقامة ما لم يتلبس بمسافة تكون هي بنفسها بالغة حد التقصير فيجب الرجوع في حكمه ح إلى اصالة التمام فلا ينبغي الاستشكال في ذلك مع أنه بحسب الظاهر مما لا خلاف يعتد به فيه والله العالم ولو كان مترددا من حين تلبسه بالسير في المرور بوطنه أو إقامة العشرة في أثناء المسافة أو احتمل بقائه إلى ثلثين يوما قهرا لانتظار رفيق ونحوه قبل بلوغ المسافة مع جزمه بأصل السفر فهل يجب عليه التقصير أم الاتمام وجهان نفى في الجواهر البعد عن عدم الترخص في الأولين وعلله بوضوح في لقصد إلى المسافة في الأول بل وفي الثاني أيضا لعدم الجزم بالمسافة المستمرة واما الثالث فلم يتعرض لذكره وهو أيضا كالثاني من هذه الجهة اللهم الا ان يفرق بينهما بان المدار في التقصير على العزم على قطع المسافة بلا تخلل قاطع اختيارا واحتمال بقائه في مكان ثلثين يوما قهرا بحيث يقول في كل يوم غدا اخرج أو بعد غد كاحتمال طرو غيره من الاعذار المانعة عن أصل السفر غير قادح في ذلك وهذا بخلاف ما لو كان من أول الأمر مترددا في نية الإقامة في الأثناء فان هذا مانع عن أصل العزم على قطع مسافة متصلة وكيف كان فالأظهر عدم مانعية التردد في نية الإقامة عن التقصير فضلا عن احتمال عروض الانقطاع بمضي الثلثين إذا المانع عن التقصير انما هو الجزم بإقامة العشرة في مكان أو البقاء في مكان ثلثين يوما لا عن جزم فنية الإقامة مانعة عن التقصير وهى مع فعلية الإقامة أو أداء صلاة تامة قاطعة للسفر كما ستعرف واما التردد فيها أو في نيتها فلا اثر له شرعا فمن خرج من منزله وهو يريد ان يسير ثمانية فراسخ فقد وجب عليه التقصير ما لم يجمع على أن يقيم عشرة أيام في مكان أو يمضى عليه ثلاثون يوما لا مع الجزم فالمدار في التقصير على قصد المسافة مجردا عن العزم على الإقامة في أثنائها لا مقرونا بالعزم على عدمها كي يكون التردد في الإقامة منافيا لتحقق شرط التقصير وليس اتصال المسافة ووحدتها شرطا متأصلا اعتبره الشارع قيدا في مهية المسافة التي اعتبر قصدها بل هو منتزع من قاطعية نية الإقامة التي يتوقف قاطعيتها على تحققها لا التردد فيها كيف ولو كان التردد في الإقامة مانعا عن حصول القصد المعتبر في التقصير لكان حصوله في الأثناء كعروض التردد في أصل السفر قبل بلوغ المسافة مانعا عن استمرار القصر مع أنه لو تردد عند رأس فرسخين مثلا في أن يعزم في ذلك المكان على أن يقيم عشرة بل شهرا أو شهرين لا اثر لهذا التردد في رجوعه عن التقصير ما لم يتحقق العزم على الإقامة أو يمضى عليه ثلاثون يوما مع أنه حال تردده ليس عازما على قطع مسافة متصله لو لم يكن الباقي بنفسه مسافة بل وان كان فان هذا غير مجد في التقصير لأنه يشترط في التقصير ان يكون حال تلبسه بصلاة مقصورة يرى نفسه متلبسا بسفر جامع لشرائط التقصير ولذا لو تردد في ذلك المكان في أصل السفر أو في العود إلى وطنه وجب عليه الاتمام وهذا بخلاف ما لو تردد في نية الإقامة كما هو واضح واما المرور بالوطن فحيث انه قاطع للسفر حقيقة فلا يبعد ان يقال إن التردد فيه كالتردد في الرجوع إلى منزله مانع عن أصل التقصير وعن استمراره فلو تردد عند رأس فرسخين في المرور إلى وطنه فهو كما لو تردد في العود إلى منزله في عدم جواز القصر له حال تردده ولكن مع ذلك قد يقوى في النظر خلافه ولكن فيما إذا كان الوطن خارجا عن طريق مقصده الذي أراد من منزله المسافرة إليه لان هذا التردد لا يرفع صدق قولنا انه خرج من منزله بقصد المسافرة إلى المكان الفلاني البالغ حد التقصير غاية الأمر انه تردد في أن يحدث في أثناء المسافة ما يقطعها ويجعلها سفرين وقد أشرنا إلى أن هذا غير قادح إذ لا دليل على اشتراطه بقصد ايجاد المسافة بصفة الاتصال بل على قصد السفر مجردا عن قصد قطعه بالمرور بوطنه أو بإقامة العشرة نعم لو كان للمقصد طريقان يمر في أحدهما بوطنه جزما أو ينوى فيه الإقامة كذلك دون الاخر فسلك القدر المشترك مرددا في اختيار أيهما أحب لم يبعد الالتزام بعدم الترخص لان الطريق الذي يوصله إلى وطنه أو المحل الذي يجزم بالإقامة فيه ليس بسفر التقصير لان من شرط التقصير ان لا ينوى الإقامة في أثناء المسافة أو يمر باهله والطريق الاخر ليس بعينه متعلقا لقصده فليتأمل ولو قصد موضعا يبلغ المسافة وهو يحتمل وقوع وطنه في أثناء هذه المسافة التي أراد قطعها فهل يبقى على اصالة التمام لعدم احراز كونه في مجموع هذه المسافة التي قصدها مسافرا أم يجب عليه التقصير ؟ والاعتناء بمثل هذا الاحتمال بعد صدق اسم المسافر عليه بالفعل في العرف وكون المرور بالوطن لديهم بمنزلة القواطع التي لا يعتنون باحتمالها ما لم يتحقق أو الاحتياط بالجمع بين القصر والاتمام لتردد تكليفه في الواقع بينهما وجوه ثالثها ان لم يكن أقوى فأحوط ولو كأن بينه وبين ملكه أو ما نوى الإقامة فيه مسافة التقصير قصر في طريقه خاصة وقد عرفت في صدر المبحث ان مسافة التقصير ثمانية فراسخ فلو لم يبلغ ما بينهما هذا الحد لم يقصر في الطريق أيضا كما
(٧٣٦)