ومن هنا يظهر جواز التمسك باستصحاب التخيير الثابت له حال أدائها وعدم تطرق الخدشة إليه بتبدل الموضوع ومن امكان الخدشة في العموم بان لا فائتة انما هي صلاة السفر التي شرعت بالذات مقصورة وجواز الاتمام حكى شرعي ثابت لها حال أدائها ناش من خصوصية المكان فلا مدخلية له بأوصاف الفعل كما وكيفا حتى يعمه عموم التشبيه واما تبعية القضاء للأداء في الاحكام ان تمت فهي غير مقتضية الا لثبوت التخيير فيما لو أوقعها في تلك الأماكن لا مطلقا فإنه لم يثبت لأدائها هذا الحكم الا على هذا التقدير ومن هنا يظهر حال استصحابه أيضا فإنه ان جرى فلا يقتضى الا جواز الاتيان بقضائها تماما في تلك الأماكن كما في أدائها بل مقتضى الاستصحاب التقديري عدمه في غير تلك الأماكن ولا أقل من كون استصحاب التخيير بالنسبة إلى ما لو أوقعها في غير تلك الأماكن من قبيل الشك في المقتضى بل وكذا فيما لو أوقعه في تلك الأماكن إذ الشك ناش من احتمال مدخلية خصوصية الوقت كالمكان في ذلك فلا يصح التمسك بالاستصحاب ولو بالنسبة إلى تلك الأماكن فاحتمال ثبوت التخيير مطلقا ضعيف واما التخيير في تلك الأماكن فمنشأ احتماله ما تقدمت الإشارة إليه من اتحاد مهية الأداء والقضاء ومساواتهما في الحكم ولكن ليس ذلك منشأ للجزم بمساواتهما في هذا الحكم لاحتمال ان يكون لخصوصية الوقت مدخلية فيه وليس لدليله اطلاق أحوالي بحيث يتناول حكمها بعد خروج الوقت فليتأمل وقد ينشأ الاحتمال المزبور من احتمال ان يكون جواز اتمام الفريضة مطلقا اذائية كانت أم قضائية من مقتضيات تلك الأماكن ولكن لا يعتنى بهذا الاحتمال بالنسبة إلى قضاء ما فاتته في غير تلك الأماكن اخذا بإطلاق ما دل على أن صلاة السفر تقضى قصرا ولو في الحضر فضلا عن مواضع التخيير ولكن الأدلة الدالة على ذلك منصرفة عن الصلاة التي كان المكلف مخيرا في أدائها فلا تكون رادعة عن هذا الاحتمال بالنسبة إليها ولكن لا يساعد على اثباته دليل ولذا ربما مال بعض أو قال بتعين القصر نظرا إلى أن فرض المسافر القصر في الصلاة وقد ثبت له الرخصة في الاتمام في تلك المواطن أداء لا قضاء وفيه ما تقدمت الإشارة إليه من قصور الأدلة عن إفادة كيفية القضاء بالنسبة إلى هذا المورد كما لا يخفى على المتأمل نعم قد يتجه الاستدلال لتعين القصر بقاعدة الشغل بناء على جريانها في دوران الامرين التعيين والتخيير ولكن قد يناقض في ذلك أيضا بقيام احتمال تعين التمام أيضا فمقتضى قاعدة الاشتغال الجمع ومنشأ هذا الاحتمال هو كون التمام أصلا في الصلاة والقصر تخفيفا من الشارع يجب الاقتصار على مورد ثبوته وفيه ان كون التمام أصلا انما هو في حق المقيم دون المسافر مع أن هذا الأصل مما لا يكاد يرجع إلى محصل ما لم يرجع إلى عموم أو اطلاق يرجع إليه في مقام الشك وقد أشرنا إلى أنه ليس لنا عموم أو اطلاق يصلح للرجوع إليه ونظيره في الضعف احتمال استقلال القضاء بالملاحظة ولحوقه في كل مورد حكم ذلك المورد بأن يتعين فيه القصر في السفر والتمام في الحضر والتخيير في مواطن التخيير نظرا إلى أنه بعد قصور الأدلة عن إفادة حكمه من حيث كونه قضاء يجب الرجوع إلى ما دل على قصر الصلاة في السفر والتمام في الحضر والتخيير في مواطنه وفيه ما لا يخفى من أن تلك الأدلة موردها الأدائية فالمرجع في المقام ليس الا الأصول العملية وهى قاعدة الشغل القاضية بالجمع ان احتملنا تعين التمام أيضا والا فالقصر ان قلنا بالاحتياط عند دوران الامر بين التعيين والتخيير وان قلنا بأصالة البراءة عن التعيين كما لا يخلو من قوة فالتخيير ثم إن مقتضى عموم التشبيه الواقع في قوله صل الله عليه وآله من فاتته فريضة فليقضها كما فاتته وجوب مساواة القضاء للفائتة في الكيف أيضا بان يأتي بها في خارج الوقت مثل ما أريد منه في الوقت فيجب ان يقضى الصلاة الاخفاتية اخفاتا ولو في الليل والجهرية جهرا ولو في النهار كما صرح به غير وحد بل عن الخلاف وغيره دعو الاجماع عليه ثم لا يخفى عليك ان العبرة في هيئات الصلاة التي يجب رعايتها في القضاء هي الهيئات الأصلية المعتبرة في الصلاة من حيث هي لدى القدرة عليها من الطهارة والقيام والاستقبال والاستقرار ونحوها دون الثانوية التي سوغته الضرورة كالصلاة مع التيمم أو جالسا أو ماشيا ونحوها لان من ترك صلاة في وقتها فقد فاتته طبيعة تلك الصلاة بجميع اجزائها وشرائطها المعتبرة فيها من حيث هي فعلية تداركها كذلك سناء كان في الوقت متمكنا من الاتيان بها كذلك أو عاجزا الا عن الاتيان ببعض مراتبها الناقصة الممضاة شرعا لدى الضرورة إذ الضرورة لا توجب الا عدم سقوط الميسور بالمعسور وكون صلاته الناقصة ما دام كونه عاجزا مجزية في حقه ولكن ذلك فيما لو اتى بالناقصة في وقتها واما لو تركها فقد فاتته طبيعة الصلاة المفروضة عليه اتى حكمها وجوب الاتيان بها عن قيام مثلا ولدى القدرة وجالسا مع العجز فعليه قضائها على ما شرعت والحاصل ان الهيئات التي تجب رعايتها في القضاء انما هي الهيئات الأصلية المعتبرة في الصلاة دون الهيئات العارضية التي سوغتها الضرورة فالمريض الذي لا يقدر الا على الصلاة مستلقيا مؤميا لو فاتته يجب عليه بعد ان برء من مرضه ان يقضيها صلاة المختار وهل له ان يقضى في حال المرض والعجز عن الصلاة الاختيارية ما فاتته في حال صحته و تمكنه من الصلاة الاختيارية اما مع استمرار العجز وعدم رجاء زواله فلا شبهة فيه إذ الصلاة لا تسقط بحال فمتى تنجز التكليف بشئ منها أدائية كانت أم قضائية من الفرائض الخمس أو من غيرها لا يسقط ميسورها بمعسورها وليس قوله صلى الله عليه وآله فليقضها كما فاتته الا كغيره من الأدلة الدالة على اعتبار سائر الشرائط والاجزاء في مهية الصلاة المقيدة بحال القدرة بقاعدة الميسور ونحوها كما لا يخفى واما مع رجاء زوال العذر فهو مندرج في موضوع مسألة أولي الأعذار التي وقع الكلام فيها في أنه هل يجوز لهم البدار أم يجب الانتظار وانه على تقدير الجواز هل تكون صحة عملهم مراعاة بعدم ارتفاع العذر في تمام الوقت وهو طول العمر بالنسبة إلى القضاء أم يكفي الضرورة حال الفعل وقد تقدم تحقيقها في بعض المباحث المناسبة له من التيمم والوضوء الاضطراري من كتاب الطهارة وقد عرفت فيما تقدم ان المتجه اعتبار استيعاب العذر فيما عدى الموارد التي ورد فيها أدلة خاصة ظاهرة في ابتنائها على التوسعة والتسهيل والاكتفاء بالضرورة حال الفعل كما في باب التيمم والتقية ونظائرهما فما عن جملة من الأصحاب من التصريح بجواز القضاء لأولي الأعذار ما دام العذر على اطلاقه محل نظر خصوصا فيما إذا كان العذر مشرفا على الزوال هذا ولكن لا يذهب عليك ان الصلاة مع التيمم ليست بصلاة اضطرارية بل هي صلاة اختيارية وانما التيمم طهور اضطراري دون الغايات الواقعة معه فمتى صح التيمم يستباح به
(٦١٨)