فان الامر بالمضي الوارد في الاخبار لوروده في مقام توهم الحظر يشكل استفادة الوجوب منه وما فيها من النهي عن تعويد الخبيث والحث على معصيته مشعر بالكراهة كما لا يخفى على العارف بلسان الاخبار ولكن الجمود على ما يترائى من لفظ الأمر والنهي واتباع الأصحاب فيما يظهر من كلماتهم ان لم يكن أقوى فلا ريب في أنه أحوط ثم إن المراد بالمضي وعدم الاعتناء بالشك كما صرح به غير واحد هو البناء على وقوع المشكوك ما لم يكن مفسدا كما يفصح عن ذلك مضافا إلى أنه هو المتبادر من الامر بالمضي في شكه لدى تعلقه بفعل ما يجب عليه فعله وقوع التصريح به في موثقة عمار المتقدمة واما لدى الشك في حصول الزيادة فينسى على عدمها ويمضي في صلاته اي لا يعتني باحتمال طرو المفسد كما يؤمي إليه النهي عن تعويد الخبيث وإطاعته بترتيب اثر الشك ينقض الصلاة مضافا إلى أن المتبادر من الامر بالمضي في شكه هو الاخذ باحتمال الصحة اي البناء على المصحح فإن كان المشكوك محتاجا إليه يبنى على وقوعه وان كان مفسدا يبنى على عدمه كما لا يخفى وهل المراد بالسهو المأخوذ في موضوع هذا الحكم خصوص الشك أو الأعم منه ومن النسيان قولان صرح غير واحد بالأول بل عن بعض نسبته إلى الأكثر و اختار في الحدائق الثاني ونسبه إلى ظاهر الشيخ وابن إدريس وغيرهم بل قال والظاهر أنه هو المشهور وعن صاحب الذخيرة أيضا انه جعل التعميم بالنسبة إلى كلمات الأصحاب اظهر وادعى انه هو أيضا ظاهر النصوص أقول وفيما استظهره من المشهور نظر فان ظاهرهم على ما يظهر من غير واحد الاتفاق على جريان سائر أحكام السهو على كثير السهو فيما عدى سجود السهو وخلافهم انما هو في خصوص السجود فالقائل بالتعميم إرادة بالنسبة إلى خصوصه فمن المستبعد تنزيل اطلاق المشهور المعبرين بأنه لا حكم لمن كثر سهوه على إرادة الأعم مع استلزامه ارتكاب التخصيص في الناسي بخصوص السجود الذي سنشير إلى خروجه عن منصرف هذا الاطلاق ومن هنا يظهر لك ان حمل السهو الوارد في اخبار الباب على الأعم أو خصوص النسيان لا يخلو من اشكال كما أومى إليه المحدث المجلسي فيما نقله عنه في الحدائق حيث حكى عن انه بعد ان اختار حمل الاخبار جميعها على الشك قال ما صورته بل الأصوب ان يقال شمول لفظ السهو في تلك الأخبار للسهو المقابل للشك غير معلوم وان سلم كونه بحسب أصل اللغة حقيقة فيه إذ كثرة استعماله في المعنى الاخر بلغت حدا لا يمكن فهم أحدهما منه الا بالقرينة وشمولها للشك معلوم بمعونة الاخبار الصريحة فيشكل الاستدلال على المعنى الآخر بمجرد الاحتمال مع أنه حمله عليه يوجب تخصيصات كثيرة تخرجه عن الظهور لو كان ظاهرا فيه إذ لو ترك بعض الركعات والافعال سهوا يجب عليه الاتيان به في محله اجماعا ولو ترك ركنا سهو أو فات محله تبطل صلاته اجماعا ولو كان غير ركن يأتي به بعد الصلاة لو كان مما يتدارك فلم يبق للتعميم فائدة الا سقوط سجود السهو وتحمل تلك التخصيصات الكثيرة ابعد من حمل السهو على خصوص الشك لو كان بعيدا مع أن مدلول الروايات المضي في الصلاة وهو لا ينافي وجوب سجود السهو إذ هو خارج عن الصلاة فظهر ان من عمم النصوص لا يحصل له في التعميم فائدة انتهى ما نقله في الحدائق عن المجلسي رحمه الله وهو في غاية المتانة وان اعترض عليه في الحدائق بعد ان نقله بما لفظه لا يخفى عليك ان ما ذكره وارد على من قال بهذه الاجماعات ووافق عليها وجعلها حججا شرعية ومع ذلك كله يقول بالعموم واما من لا يعتبر هذه الاجماعات ولا يجعلها دليلا شرعيا وانما يعتمد على الروايات ويجعل البحث منوطا بها ومعلقا عليها من غير نظر إلى خلاف أو وفاق فلا ريب ان الحق عنده في المسألة هو ما قدمناه كما قدمناه في سابق هذا المورد وأوضحناه انتهى وأشار بقوله ما قدمناه إلى ما ذكره سابقا وهو ان اخبار المسألة منها ما ورد بلفظ الشك ومنها ما ورد بلفظ السهو والقول بالعموم جامع للعمل بالاخبار كملا واما التخصيص بالشك فيحتاج إلى التأويل في اخبار السهو بالحمل على الشك واخراجه عن ظاهر الحقيقة اللغوية التي هي النسيان وهو يحتاج إلى دليل مع أنه لا ضرورة تلجي إليه ويؤيد ما قلناه ما تشير إليه الأخبار المذكورة من أن العلة في هذا الحكم هو رفع الحرج والتخفيف على المكلفين لان الإعادة موجبة للزيادة حيث إن ذلك من الشيطان وهو معتاد لما عود وهذا مما يجري في السهو والشك انتهى أقول انا وان لم نجعل هذه الاجماعات دليلا شرعيا ولكن نراها مانعة عن الاستبداد بالرأي في تشخيص مداليل ألفاظ الرواية التي لا يختفي على العوام فضلا عن الجم الغفير من العلماء الأعلام فلو كان ظاهر قوله إذا كثير عليك السهو فامض في صلاتك هو إرادة ترك افعال الصلاة نسيانا أو كان هذا الظاهر مرادا لم يكن يختفي على الأصحاب فعدم فهم الأصحاب منه ذلك كاشف عن عدم ارادته من اللفظ هذا مع أن دعوى ظهور الأخبار الواردة بلفظ السهو في خصوص النسيان ناشئة من الجمود على ما ينصرف إليه اطلاق لفظ السهو مع الغفلة عن خصوصيات المورد المقتضية لصرفها إلى إرادة كثرة الشك ككون كثرة الشك هي التي يعم به البلوى ويكون منشأها غالبا الوسوسة التي هي من الشيطان فتكون أولى بالتعرض لحكمها وأنسب بالتعليل ويكون ترك الاعتناء موجبا لزوالها والاعتناء مؤثرا في ازديادها بخلاف كثرة النسيان فان شدة الاهتمام بتدارك المنسي ونقض الصلاة وكثرة الإعادة لأجله لو لم تكن مؤثرة في زوال هذا المرض الذي ربما ينشأ من المسامحة فلا أقل من عدم كونها مؤثرة في زيادتها مع ما في ترخيص الشارع من الاكتفاء بصلاة ناقصة مع العلم بالنقص والتمكن من تداركه من الاستبعاد الموجب لانصراف النص عنه خصوصا بعد الالتفات إلى أن إطاعة الشيطان التي أنيط بها هذا الحكم في بعض اخباره انما تحصل فيما لو عرضه السهو بعد صدور أصل الفعل أولا امتثالا لامره ثم حصل له التشكيك فيه فأعاده اعتدادا بشكه مع عدم كونه في الواقع مأمورا به كما هو الغالب في الشكوك الناشئة من الوسوسة دون ما لو تركه نسيانا ثم ذكر فان أصل النسيان و ان كان من الشيطان ولكن ذكره لم يكن منه وتداركه وقع إطاعة لامره رغما لانف الشيطان وان أبيت عن ذلك كله فعليك بمراجعة العرف فهل ترى أحد القى إليه هذا الكلام ممن يكثر عليه النسيان انه لو جلس للتشهد بزعم الفراغ من الصلاة فذكر نقص ركعة أو سجدة أو سجدتين يفهم من ذلك ان عليه المضي
(٥٨٥)