المحض في جعل الأمارات، ولازم ذلك هو عدم جواز اكتفاء أحد المتعاقدين بما يراه الآخر صحيحا، فيحكم بالصحة من جانب وبالفساد من جانب آخر.
وقد يقال: إن العقد فعل واحد تشريكي يحصل من الايجاب والقبول، وعليه فلا بد وأن يكون صحيحا في مذهب كل منهما لكي يمكن ترتب الأثر عليه، فلا يجوز الاكتفاء بالعقد الفارسي لمن يرى بطلانه.
وقد يقال أيضا: إن العقد مركب من الايجاب والقبول فلا يتحقق مفهومه إلا بهما، وحينئذ فإذا صح من طرف الموجب صح من طرف القابل أيضا، إذ لا يعقل وقوعه صحيحا من جانب وفاسدا من جانب آخر.
ولكن التحقيق هو ما ذكرناه - من الحكم بالصحة من جانب وبالفساد من جانب آخر - ضرورة أن العقد وإن كان متقوما بالايجاب والقبول إلا أن ذلك لا يقتضي إلا التلازم - في الصحة أو الفساد - بحسب الحكم الواقعي، لأنه لا يمكن في الواقع أن ينتقل المبيع إلى المشتري ولا ينتقل الثمن إلى البائع.
أما بالنسبة إلى الحكم الظاهري فلا مانع من الالتزام بالتفكيك، بأن يعمل كل من الموجب والقابل بما تقتضيه وظيفته الظاهرية، مثلا إذا كان البائع مقلدا لمن يقول بصحة العقد بالفارسي وكان المشتري مقلدا لمن يقول ببطلان ذلك، جاز للبائع أن يتصرف في الثمن لأنه يراه ملكا لنفسه، ولا يجوز له أن يتصرف في المبيع لأنه خارج عن ملكه في نظره، أما المشتري فلا يجوز له التصرف في المبيع لأنه لا يراه ملكا لنفسه بل يراه ملكا لمالكه الأول.