أن الدليل على هذه الإباحة إنما هو الاجماع، والاجماع دليل لبي فلا يؤخذ منه إلا بالمقدار المتيقن.
ولكن الذي يسهل الخطب أن الاجماع بل السيرة أيضا قائم على جواز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة، وإن كان التعاطي من طرف واحد، ولذا نري بالعيان ونشاهد بالوجدان أن الناس على اختلاف طبقاتهم وتشتت أصنافهم يتعاملون فيما بينهم بالمعاملة المعاطاتية في الأشياء الحقيرة والخطيرة، ولم نر ولم نسمع إلى الآن أن يتوقف أحد في جواز التصرف في المأخوذ بالمعاطاة، حتى مع تحقق التعاطي من طرف واحد، مع أن المغروس في أذهان القدماء والمشهور فيما بينهم أن أغلب المعاملات المعاطاتية إنما تنعقد بالتعاطي من طرف واحد، ويكون الاعطاء من ناحية الآخذ وفاء بالتزامه لا قبولا للإيجاب المتقدم، وقد تقدم ذلك آنفا، نعم لو شك في دخوله في معقد الاجماع لاتجه الحكم بعدم دخوله فيه كما هو واضح.
هل تنعقد المعاطاة بمجرد ايصال الثمن وأخذ المثمن؟
وقد يتوهم انعقاد البيع المعاطاتي بمجرد وصول المثمن إلى المشتري ووصول الثمن إلى البائع بأي نحو اتفق، وإن لم يصدق عليه الاعطاء فضلا عن التعاطي، والوجه في ذلك ما أسلفناه سابقا، من أن عنوان المعاطاة لم يرد في آية ولا في رواية ولا في معقد اجماع لكي ندور مدار هذا العنوان، ونجعله موردا للنقض والابرام، ومركزا للنفي والاثبات، بل إنما عبر بها عن المعاملة الخاصة المتعارفة بين الناس، وإذن فيكون المدار في ذلك هو الصدق العرفي عليه.
فأي فعل كان قابلا لابراز ما في النفس من اعتبار الملكية صدق عليه