ووجه عدم الاحتياج إلى ذلك ما ذكرناه قريبا، من أن عتق المالك عبده عن غيره بمكان من الامكان، وعليه فقول القائل لأخيه: أعتق عبدك عني، محمول على استدعاء العتق التبرعي المجاني.
هذا كله ما يرجع إلى بيان الكبرى الكلية في حكم التصرف في مال غيره مع إذن المالك فيه تصرفا تكوينيا أو اعتباريا.
انطباق الضابطة على بعض الأمثلة ثم إنه يحسن بنا أن نصرف الكلام إلى بيان انطباق تلك الضابطة على بعض الأمثلة المعروفة في الألسنة، وهو قول القائل: أعتق عبدي عن نفسك، وقوله: أعتق عبدك عني.
أما المثال الأول، فإن رجع إلى توكيل غيره في تملك العبد ببيع ونحوه ثم عتقه عن نفسه، فإنه لا يخالف القواعد الشرعية، وإن لم يرجع ذلك إلى التوكيل بل أخذنا بظاهره وهو العتاق المجاني، فإن قلنا بأن العتق لا يصدر إلا من المالك - وإن كانت نتيجته راجعة إلى غيره - كان الكلام المذكور لغوا محضا في نظر الشارع، وإن قلنا بجواز صدور العتق من غير المالك مع إذن المالك في ذلك، صح الكلام المزبور بظاهره بلا احتياج إلى التأويل.
أما المثال الثاني أعني به: أعتق عبدك عني - فإن رجع إلى توكيل المالك في شراء عبده للمستدعي ثم عتقه عنه فلا محذور فيه بوجه، وإن أخذنا بظاهره وقلنا بجواز العتق عن غيره تبرعا ومجانا، سواء أسبقه الاستدعاء أم لم يسبقه ذلك، كان المثال المزبور صحيحا بظاهره بلا احتياج إلى التأويل، وإلا فيكون لغوا محضا.