ومن البين الذي لا شك فيه أن الاجماع - على تقدير تحققه - دليل لبي، فلا بد من الاقتصار فيه على المقدار المتيقن، وهو ما كان المأخوذ بالمعاطاة موجودا عند الأخذ بالمعاطاة ومتميزا عن غيره من جميع الجهات، وعليه فإذا امتزج ذلك بغيره لم نطمئن بوجود الاجماع على الجواز.
وإذن فلا بد من الحكم بلزوم المعاطاة في هذه الصورة، سواء في ذلك القول بالملكية والقول بالإباحة، وعلى هذا فلا وجه لما احتمله المصنف من الالتزام بالشركة على القول بالملك، كما لا وجه لاستصحاب بقاء السلطنة على القول بالإباحة.
وأضف إلى ذلك قيام السيرة القطعية على عدم جواز الرجوع مع امتزاج المأخوذ بالمعاطاة بغيره، إذ لو أخذ أحد دهنا من بقال - بالبيع المعاطاتي - فمزجه بدهن آخر فإنه لا يشك أحد في أنه ليس للآخذ أن يرده إلى البائع، واحتمال أن تكون المعاطاة حينئذ لازمة من طرف المشتري وجائزة من طرف البائع بعيد غايته، هذا كله فيما إذا لم يكن المزج موجبا لصدق التلف على المال المأخوذ بالمعاطاة وإلا كان الحكم باللزوم مع الامتزاج أوضح.
وقد اتضح لك مما بيناه حكم التصرف المغير للعين، كطحن الحنطة وفصل الثوب، بل دعوى السيرة المتقدمة هنا بمكان من الوضوح، وإذن فلا مجال لاستصحاب جواز التراد على القول بالملك، كما لا وجه للقول بعدم اللزوم على القول بالإباحة.
موت أحد المتعاطيين قوله (رحمه الله): ليس جواز الرجوع في مسألة المعاطاة نظير الفسخ في العقود