فيه من قبيل الإجارة المعاطاتية، وعلى هذا الضوء فالمثال الثالث أيضا من قبيل الإباحة بالعوض أو من قبيل المعاوضة الخاصة التمليكية، كما جعلنا المثال الأول أيضا من هذا القبيل.
والمتحصل من جميع ما ذكرناه أنا لم نتصور من تلك الأمثلة قسما آخر للمعاطاة غير الأقسام الماضية، نعم يمكن تصوير قسم آخر لها، وهو أن يكون مال كل من الجانبين عند الجانب الآخر، إما بعنوان الوديعة أو بالغصب أو بإطارة الريح أو بغير ذلك، ثم قصد كل منهما كون ما بيده عوضا عما في يد صاحبه، وحينئذ فلا يبعد صدق مفهوم البيع على ذلك، لأنا ذكرنا مرارا أن البيع هو الاعتبار النفساني المبرز بمبرز خارجي.
ومن الظاهر أنه لم ترد آية ولا رواية ولا انعقد اجماع على اختصاص ذلك المبرز بشئ خاص، ولا أن عنوان المعاطاة قد ورد في دليل لكي يؤخذ به ويحكم بعدم صدقه على ما نحن فيه، وعليه فابقاء كل من الجانبين ماله عند الجانب الآخر مبرز خارجي لاعتبار الملكية.
نعم، إذا قلنا بأن المعاطاة المقصود بها الملك لا تفيد إلا الإباحة الشرعية، لم يجز التصرف لكل من الجانبين فيما عنده من المال، بديهة أن هذه الإباحة إنما ثبتت بالاجماع وهو دليل لبي، فلا يشمل هذا القسم من المعاطاة.
خلو المعاطاة من الاعطاء والايصال رأسا ثم إن للمصنف هنا كلاما لم نحققه إلى الآن، وإليك لفظه: ثم إنه لو قلنا بأن اللفظ الغير المعتبر في العقد كالفعل في انعقاد المعاطاة أمكن خلو المعاطاة من الاعطاء والايصال رأسا، فيتقاولان على مبادلة شئ بشئ من غير ايصال، ولا يبعد صحته مع صدق البيع عليه بناء على الملك، وأما بناء على القول بالإباحة فالاشكال المتقدم هنا آكد.