ولا يبقي معها مجال الرجوع إلى استصحاب عدم تحقق النقل والانتقال، لأن هذا في مرتبة السبب وذاك في مرتبة المسبب، والاستصحاب إنما يقدم على أصالة البراءة حيث يكونان في مرتبة واحدة (1).
وتندفع هذه المناقشة بأن حديث الرفع وإن كان يشمل الأحكام الوضعية - كشموله للأحكام التكليفية - إلا أنه لا يعم خصوص الجزئية والشرطية والمانعية، ضرورة أن هذه الأمور الثلاثة أمور غير قابلة للوضع فلا تكون قابلة للرفع أيضا إلا برفع منشأ انتزاعها، وعليه فإذا شك في شرطية شئ ء أو جزئيته أو مانعيته لم يجز الرجوع فيها إلى البراءة.
أقسام الأحكام الوضعية وبيان ذلك اجمالا: أنا ذكرنا في بحث الاستصحاب من علم الأصول أن الأحكام الوضعية على ثلاثة أقسام:
1 - أن يكون مجعولا بنفسه، كالملكية والزوجية والرقية ونحوها، فإنها أمور متأصلة، أي مجعولة بنفسها وغير منتزعة من التكاليف الشرعية، بديهة أن انتزاعها من الأحكام التكليفية وإن كان ممكنا في مقام الثبوت ولكن لا دليل عليه في مقام الاثبات.
إذ النسبة بين الملكية - مثلا - وبين جواز التصرف أو عدم جوازه هي العموم من وجه، لأنه قد توجد الملكية ولا يترتب عليها جواز التصرف في المملوك، كالأشخاص المحجورين عن التصرف في أموالهم لسفه أو فلس أو صغر، وقد يتحقق جواز التصرف ولا توجد الملكية كالمباحات الأصلية، فإنها غير مملوكة لأحد ويجوز التصرف فيها لكل شخص،