أم يفصل بين التورية وغيرها ويلتزم في تحقق مفهوم الاكراه باعتبار العجز عن غير التورية دونها، أم لا يعتبر شئ من المذكورات.
حقيقة التورية وقبل التعرض لتلك الوجوه يحسن بنا أن نقدم أمام البحث بيان حقيقة التورية، وهي في اللغة بمعنى الستر والاخفاء والقاء كلام ظاهر في معنى وإرادة خلاف ظاهره، مع إخفاء القرينة على المراد، فكان المتكلم واري مراده عن المخاطب باظهار غيره، وخيل إليه أنه أراد ظاهر كلامه.
وقد ذكر الطريحي في مجمع البحرين: وريت الخبر - بالتشديد - تورية إذا سترته وأظهرت غيره، حيث يكون للفظ معنيان، أحدهما أشيع من الآخر، وتنطق به وتريد الخفي (1)، وفي القاموس: ورآه تورية أخفاه، وفي تلخيص المفتاح: ومنه التورية وتسمي الايهام أيضا، وهو أن يطلق لفظ له معنيان قريب وبعيد ويراد البعيد - الخ.
ولكن لا يخفى عليك أن التورية كما تتحقق في الأقوال كذلك تتحقق في الأفعال أيضا، ولا وجه لتخصيصها بالأولي كما يلوح من ظاهر تفاسير القوم، أما جريانها في الأقوال فكما إذا أراد أحد أن ينكر مقالته الصادرة منه فيقول: علم الله ما قلته، حيث يظهر كلمة الموصول على صورة أداة النفي، ويخيل إلى السامع أنه ينكر كلامه الصادر منه.
ومن هذا القبيل ما ذكره سلطان العلماء والمحققين في حاشيته على المعالم عند البحث عن المجمل، من أنه سئل أحد العلماء عن علي (عليه السلام) وأبي بكر بأنه أيهما خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله)، فقال: من بنته في بيته، ومنه قول عقيل: أمرني معاوية أن ألعن عليا ألا فالعنوه.