أقول: قد عرفت فيما سبق آنفا أن الالتزام بصيرورة الغرامة بدلا عن نفس العين لا يتفق مع الالتزام بجواز مطالبة المالك العين من الغاصب بعد التمكن منها فإن ذلك التزام بالمتناقضين، فإذا كان دليل بدل الحيلولة ما يقتضي تحقق المعاوضة بينه وبين العين - كدليل ضمان اليد ونحوه - فلا شبهة عندئذ في انقطاع حق المالك عن العين انقطاعا دائميا، ولا يجوز له أن يطالبها من الضامن في أي وقت من الأوقات.
نعم إذا كان المدرك لذلك ما يقتضي وقوع البدل بإزاء السلطنة دون العين وجب على الغاصب رد العين على مالكها بمجرد تمكنه منها وجاز للمالك أن يطالبه بنفس العين لعدم تحقق المعاوضة بينها وبين البدل لكي يمنع ذلك عن وجوب رد العين على مالكها، ولكنه مع ذلك لا يجوز للمالك أن يتصرف في البدل في فرض جواز مطالبته بنفس العين، لأنا لو سلمنا كون البدل بدلا عن السلطنة الفائتة، إلا أنه بدل عنها حال التعذر من مطالبة العين لا مطلقا، فإذا ارتفع التعذر زالت البدلية.
ومن ثم إذا حصل التعذر ثم ارتفع قبل أداء البدل لم يكن للمالك مطالبة البدل بلا اشكال، وعلى ذلك فلا بد من الالتزام برجوع البدل إلى ملك الغاصب وضمان الغاصب العين بضمان جديد بالمثل أو القيمة.
ختام البحث في بدل الحيلولة قوله (رحمه الله): ولذا لا يباح لغيره بمجرد بذل الغرامة.
أقول: غرضه من هذه العبارة أن بدل الحيلولة إنما هو بدل عن السلطنة علي الانتفاع من العين التي فاتت بتعذر العين، لا أنه بدل عن مطلق السلطنة حتى السلطنة على المطالبة لكي يسقط ذلك أيضا بعد تمكن الضامن من رد العين، ولذا لا يجوز لغير المالك أن يتصرف فيها بمجرد بذل الغرامة وبدل الحيلولة.