أما الاختيار بالمعنى الثاني، فلا دليل على اعتباره في حقيقة العقد، ضرورة أن الإرادة والاختيار - بهذا المعنى - من الأمور النفسانية التي لا تطلع عليها غير علام الغيوب، وعليه فلا يعقل أن تقع موردا للاجبار.
ومن هنا ذكر المصنف - في البحث عن جواز الكذب عند الضرورة - أن المكره على انشاء العقود إنما أكره على التلفظ بصيغة البيع ولم يكره على انشاء حقيقة البيع، فالاكراه على البيع الحقيقي يختص بغير القادر على التورية، كما أن الاضطرار على الكذب مختص بالعاجز عنها.
وعليه فإذا كان شخص مكرها على البيع ولم يور - مع قدرته على التورية - فقد أوجد البيع بإرادته واختياره - انتهى ملخص كلامه.
أما ما أجاب به المصنف عن ذلك في المبحث المذكور، فهو لا يرجع إلى معنى محصل فراجع هناك.
وكيف كان، إن المكره على البيع - مثلا - إنما أكره على التكلم بكلمة بعت من غير أن يجبر على قصد معناه، وحينئذ فإذا تكلم بذلك مع القصد والالتفات إلى المعنى كان هذا بيعا حقيقة، لأن شأن الأمور الانشائية في ذلك شأن الأفعال التكوينية، فكما أن المكره على ايجاد فعل تكويني في الخارج لا يخلو عن القصد والإرادة - ولا يكون الفعل الصادر منه كالفعل الصادر من النائم والساهي والمجنون وأمثالهم - كذلك الحال في الأفعال الانشائية.
نعم صحة العقود والايقاعات تدور مدار صدورها من المنشئ في حال الرضاء وطيب النفس للأدلة الدالة على ذلك، وإذا انتفي الرضاء فسدت العقود والايقاعات ولم يترتب عليها أثر شرعي أصلا.
وعلى الاجمال أن اعتبار الرضاء في صحة العقود والايقاعات اعتبار شرعي وليس ذلك من جهة دخله في مفهوم العقد وإلا لم يلتزم بعض