لا دليل على هذه الكلية وعدم صدق المعاقدة والمعاهدة إنما يتم في بعض الفروض، كما لو كان المشتري في حال ايجاب البائع غير قابل للتخاطب من جهة الاغماء أو النوم أو الجنون، وأما في بقية الصور فنمنع عدم الصدق، خصوصا فيما إذا نام البائع بعد الايجاب مع علمه بذلك وأن المشتري يقبل لا محالة، وكذا فيما إذا كان المانع هو الفلس أو السرقة أو السفه (1).
ولكن التحقيق يقتضي الالتزام بالصحة إذا فقد المشتري شرائط صحة الانشاء حال انشاء البائع، وبالفساد في عكسه، والوجه في ذلك أن المناط في تحقق العقد إنما هو ارتباط التزام البائع بالتزام المشتري - وقد عرفته سابقا - وعليه فإذا أنشأ البائع حال كون المشتري نائما - أو غافلا أو مغمى عليه ثم التفت المشتري إلى هذا الانشاء فقبله قبل صدور ناسخه من البائع - صدق عليه عنوان العقد جزما ويحكم بصحته للعمومات والمطلقات الدالة على صحة العقود.
بل تدل على ذلك السيرة الواقعة بين التجار، لأن المتعارف فيما بينهم - غالبا - أن يكتب بعضهم إلى بعض بيع متاعه الخاص بقيمة معينة ويقبله المكتوب إليه، مع أنه ربما يكون - عند كتابة البائع - نائما أو غافلا أو مجنونا ولا شبهة في صحة هذه المعاملة، أما إذا لم يبق البائع على الشرائط حين قبول المشتري حكم بفساد العقد، إذ يرتفع التزام البائع بانتفاء شرائط الانشاء عنه ولا يتصل التزامه بالتزام المشتري، إلا في مثل النوم والغفلة فإنهما لا ينافيان بقاء التزام البائع للسيرة المزبورة، وهذا واضح لا شك فيه.