ذلك القيد أم لا، الظاهر هو الأول، بديهة أن القاعدة الأولية تقتضي صحة الانشاء بكل ما هو قابل لابراز الاعتبار النفساني، سواء فيه الفعل واللفظ، ولكن المغروس في كلمات الأصحاب والمودع في كتبهم هو قيام الاجماع على اعتبار اللفظ في العقود والايقاعات.
وقد ذكرنا مرارا أن الاجماع دليل لبي، فلا بد وأن يؤخذ منه بالمقدار المتيقن، ومن البديهي أن القدر المسلم من الاجماع - على تقدير تحققه هنا - إنما هو فرض تمكن المتعاقدين من الانشاء اللفظي، ومع عدم التمكن من ذلك يرجع إلى القاعدة الأولية ويحكم بعدم اعتبار اللفظ في العقود والايقاعات، إلا مع قيام الدليل الخاص على الاعتبار المزبور، كقيامه على اعتبار مطلق اللفظ في عقد الزواج، وعلى اعتبار لفظ خاص في انشاء الطلاق.
على هذا الضوء فإذا شككنا في صحة عقد الأخرس المنشأ بالإشارة مع تمكنه من التوكيل، أو شككنا في صحة عقده المنشأ بالكتابة مع تمكنه من الإشارة - بناء على تقديمها على الكتابة - رجعنا إلى العمومات والمطلقات الدالة على صحة العقود ونفوذها.
وقد ظهر لك مما ذكرناه أن مقتضى القاعدة هو الحكم بلزوم معاطاة الأخرس - من حين العقد - حتى على القول بأنها تفيد الإباحة مع التمكن من اللفظ وأنها لا تفيد الملكية، وذلك لعدم العلم بشمول الاجماع الذي توهم قيامه على جواز المعاطاة أو إفادتها الإباحة، لصورة عدم التمكن من اللفظ.
وهذا هو السر في تعرض المصنف لمسألة المعاطاة هنا في طي كلامه مع أنه قضى أمرها قريبا، وهذا نصه في المقام: ثم لو قلنا بأن الأصل في المعاطاة اللزوم بعد القول بإفادتها للملكية، فالقدر المخرج صورة قدرة المتبايعين على مباشرة اللفظ.