الانشاء بهما مطلقا، أي سواء أكان اللازم والملزوم - في الكناية - متساويين أم لا، وسواء أكان المجاز قريبا أم لا، وإن لم يكن لتلك الألفاظ ظهور عرفي في إفادة المقصود وابراز الاعتبار النفساني ولم ينطبق عليها شئ من عناوين العقود عرفا، فلا يصح بها الانشاء أصلا.
ومن هنا تجلي لك أنه لا وجه للفرق بين المجاز القريب والمجاز البعيد، بأن يلتزم بصحة الانشاء بالأول وبفساده بالثاني (1)، كما أنه لا وجه صحيح لما أفاده المصنف من الالتزام بصحة الانشاء بالألفاظ المجازية إذا كانت محفوفة بالقرينة اللفظية، وبعدم الصحة إذا كانت محفوفة بالقرينة غير اللفظية.
بل العجب منه (رحمه الله)، فإنه بعد ما فسر اعتبار الحقائق في العقود باعتبار الدلالة اللفظية الوضعية، وإن كان الدال على الانشاء من الألفاظ المجازية، قال:
وهذا بخلاف اللفظ الذي يكون دلالته على المطلب لمقارنة حال أو سبق مقال خارج عن العقد، فإن الاعتماد عليه في متفاهم المتعاقدين - وإن كان من المجازات القريبة جدا - رجوع عما بني عليه، من عدم العبرة بغير الأقوال في انشاء المقاصد، ولذا لم يجوزوا العقد بالمعاطاة ولو مع سبق مقال أو اقتران حال تدل على إرادة البيع جزما.
ووجه العجب أن احتفاف اللفظ بالقرينة غير اللفظية لا يخرج دلالته على معناه عن الدلالة اللفظية، بديهة أن الدلالة اللفظية عبارة عن انفهام المعنى من اللفظ، سواء أكانت حيثية الدلالة مكتسبة من القرائن - لفظية كانت أو غيرها - أم كان اللفظ بنفسه دالا على المقصود، فإنه على