والتكالب على حطام الدنيا وزخرفها، وبالجرأة على هتك حرمات الله، وعرفوهم بغير ذلك من الصفات الخبيثة والأخلاق الرذيلة.
ومع ذلك فوضوا إليهم دينهم وأخذوا منهم أحكامهم، ونبذوا الحق وراء ظهورهم، وليس عملهم هذا إلا أن هؤلاء العوام من اليهود قد باعوا أنفسهم من علمائهم بما ينالونه منهم من التحابب والتوادد، والتمشي معهم حسب ميولهم وأهوائهم، والزلفة إليهم وإلى شياطينهم، أما علماؤهم فقد تجلى لهم الحق واتضحت لهم نبوة محمد (صلى الله عليه وآله)، ومع ذلك باعوا أنفسهم من عوامهم بما ينالونه منهم من التعظيم والاكرام وحفظ كيانهم وزعامتهم ورئاستهم، فعاندوا الحق وجحدوه.
وإذن فأصبح اليهود قد أقاموا السوق السوداء، وأنفقوا عليها من دينهم وأنفسهم وأموالهم، حتى احتشدت فيها البضائع الزائفة ووضعت فيها الأراجيف التي شوهت وجه التاريخ، ففي هذه السوق السوداء قد اشترى عوامهم أنفس علمائهم بثمن بخس، واشترى علماؤهم أنفس عوامهم بعوض زهيد، وإذن فلفظ: اشتروا لم يستعمل - في الآية الكريمة - إلا في معنى الابتياع فقط.
وذكر شيخنا الأستاذ أن الاشتراء من الافتعال، ومن الواضح أن باب الافتعال إنما هو للقبول والمطاوعة، وعليه فلا يناسب استعماله في الايجاب بل يختص استعماله بالقبول فقط، أما أخذه بمعنى شريت كأخذ اكتسبت بمعنى كسبت فهو على خلاف ما وضع له، أو على خلاف الظاهر من محاورات أهل العرف ومحادثاتهم (1).
ويرد عليه أن الاشتراء وإن كان من الافتعال وقد أخذ فيه مفهوم المطاوعة، ولكن هذه المطاوعة ليست مطاوعة لفعل غيره، بل المراد من