أقول: قد نوقش في هذا الكلام بأن كثيرا من المفسرين قد صرحوا باستعمال لفظ الاشتراء في البيع في قوله تعالى: بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله (1)، بدعوى أن البيع والشراء إزالة الملك إلى غيره بعوض يعتاضه منه، ثم استعمل ذلك في كل معتاض من عمله عوضا، سواء أكان ذلك العوض خيرا أم كان شرا، وعليه فاليهود لما أوبقوا أنفسهم وأهلكوها بكفرهم بمحمد (صلى الله عليه وآله) سجل الله تعالى عليهم الذم والتوبيخ، وقال: بئسما اشتروا به أنفسهم أي بئس شيئا باعوا به أنفسهم ورضوا به عوضا عن أنفسهم، حيث ألقوها في المهلكة الأبدية والعذاب الدائم.
وتندفع هذه المناقشة بأن الازراء والتوبيخ - في الآية الكريمة - ليس على كل واحد من اليهود مع قطع النظر عن غيره، لكي يتوهم أنه لا معنى لنسبة الاشتراء إليهم إلا بإرادة البيع، وأن كل فرد منهم قد باع نفسه بالكفر والزندقة والالحاد، بل الازراء والتوبيخ راجع إلى جميعهم بلحاظ معاملة بعضهم مع بعض، حيث اشترى جمع منهم دين جمع آخر منهم بثمن بخس، فصار كل واحد منهم بائعا من جهة ومشتريا من جهة أخرى، وحين ذاك فلا دلالة في الآية الكريمة على إرادة البيع من الاشتراء، بل يمكن أن يراد من لفظ الاشتراء فيها معناه المتعارف.
وتوضيح ذلك اجمالا:
أن عوام اليهود قد عرفوا علماءهم بالكذب الصريح وأكل الحرام، وتغيير الأحكام وتحريفها عن وجهها بآرائهم المرجفة وأهوائهم الفاسدة وأفكارهم المضلة، وعرفوهم بالأقوال الكاذبة والأعمال الخبيثة والبضاعة الزهيدة، وعرفوهم بالتعصب الشديد، والتغالب