وعلى الجملة أن الظاهر من الآية والرواية هو أن العبد غير مستقل في جميع تصرفاته، سواء أكانت راجعة إلى نفسه حال عبوديته أم تعلقت برقبته، كأن يضمن الشئ لشخص بشرط أن يعطيه إياه بعد حريته، وسواء أكانت راجعة إلى سيده أم كانت راجعة إلى الأشخاص الآخرين، وإن لم يكن هناك ما يزاحم حق المولى، كأن يتوكل عن غيره في عقد أو ايقاع.
والسر في ذلك هو أن عدم قدرته على شئ ليس إلا عدم تمكنه من التصرف فيه وأنه يحتاج في ذلك إلا الاستعانة من غيره، ومن الواضح أن المحتاج إلى غيره في فعل لا يكون قادرا على التصرف فيه استقلالا، وعليه فشأن العبد شأن الصبي، فكما أن الصبي لا ينفذ تصرفه في شئ إلا بإذن وليه كذلك المملوك فإنه لا ينفذ تصرفه في شئ إلا بإذن سيده - انتهى ملخص كلامه مع التوضيح الاجمالي، وتبعه في ذلك شيخنا الأستاذ (1).
والتحقيق أنه لا دلالة في الآية ولا في الرواية على ما ذهبا إليه، وبيان ذلك أنه ليس المراد من عدم القدرة في الآية هو عدم القدرة عقلا، ولا أن المراد من الشئ هو الشئ التكويني الخارجي، بداهة أن العبد مثل الحر في قدرته على الأمور الخارجية.
وأيضا ليس المراد من نفي القدرة هو نفي القدرة الشرعية التكليفية، ضرورة أن ما هو مباح للأحرار في الشريعة المقدسة الاسلامية من المأكولات والملبوسات والمشروبات مباح للعبيد أيضا، وليس لإذن المولى دخل في ذلك بوجه، بل المراد من قوله تعالى: لا يقدر على شئ، هو عدم نفوذ تصرفات العبد في شئ.